الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر ، وعنه : أنه نجس ، ومني الآدمي طاهر ، وعنه : أنه نجس ، ويجزئ فرك يابسه ، وفي رطوبة فرج المرأة روايتان ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر ) في المنصور عند أصحابنا ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ، والنجس لا يباح شربه ، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرابض الغنم ، وأمر بالصلاة فيها ، وطاف على بعيره ، ولأنه لو [ ص: 254 ] كان نجسا لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر ، فإنها لا تسلم من أبوالها وأرواثها ، وشمل كلامه بول سمك ونحوه مما لا ينجس بموته ، فإنه طاهر على المذهب ( وعنه : أنه نجس ) لأنه رجيع من حيوان أشبه غير المأكول ( ومني الآدمي طاهر ) في ظاهر المذهب ، لقول عائشة : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يذهب فيصلي فيه متفق عليه وقال ابن عباس : امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ، فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، رواه سعيد ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عنه ، ورواه الدارقطني مرفوعا ، ولأنه لا يجب غسله إذا جف ، فلم يكن نجسا كالمخاط ، وظاهره أنه لا فرق بين ما أوجب غسلا أو لا ، وصرح به في " الرعاية " وهو بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين ، وبهذا فارق البول ، فعلى هذا يستحب فرك يابسه لقول عائشة : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يابسا رواه الدارقطني ، ولأنه مستحيل من الدم ، أشبه القيح ، فعلى هذا يعفى عن يسيره ، وعنه : كالبول لما في الصحيح عن عائشة : أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنه خارج معتاد من السبيل أشبه البول ، فعلى هذا لا بد من غسله ، وظاهر " المغني " و " الشرح " أنه يجزئ فرك يابسه ، وجزم ابن عقيل أنه كالبول في مني الخصي لاختلاطه بمجرى بوله ، وقيل : وقت جماع ، لأنه لا يسلم من المذي ، وبعده في " المغني " وفي " المحرر " على هذه الرواية أنه يجزئ فرك يابسه في الرجل ، وتمسك بقول أحمد ، لأنه ثخين فيؤثر فيه الفرك تخفيفا بخلاف مني المرأة ، فإنه رقيق ، ولا يبقى له جسم بعد جفافه ، فلا يفيد الفرك فيه شيئا ، فإن خفي موضع [ ص: 255 ] الفرك فيه فركه كله ، لكن لو أمنى وعلى فرجه نجاسة ، تنجس منيه لإصابته النجاسة ، ولم يعف عن شيء منه .

                                                                                                                          فرع : حكم بقية الخارج من بدن الآدمي كالعرق ، والريق ، والمخاط ، ونحوها طاهر ، حتى البلغم ، سواء كان من الرأس أو الصدر ذكره القاضي ، وقال أبو الخطاب : هو نجس ، وقيل : بلغم الصدر جزم به ابن الجوزي ، لأنه استحال في المعدة أشبه القيء ، والأول أشهر ، لأنه لو كان نجسا لنجس الفم ، ونقض الوضوء ، ولا نسلم أنه استحال في المعدة ، بل هو منعقد من الأبخرة كالمخاط ، وما سال من الفم وقت النوم طاهر في ظاهر كلامهم .

                                                                                                                          ( وفي رطوبة فرج المرأة ) وهو مسلك الذكر ( روايتان ) إحداهما نجسة ، لأنها بلل في الفرج لا يخلق منها الآدمي ، أشبه المذي ، والثانية وهي الصحيحة ، وجزم بها الأكثر : أنها طاهرة ، لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوبه عليه السلام ، وإنما كان من جماع ، لأن الأنبياء لا يحتلمون ، وهو يصيب الرطوبة ، ولأنه لو حكمنا بنجاستها ، لحكمنا بنجاسة منيها ، لكونه يلاقي رطوبته بخروجه منه . وقال القاضي : ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس ، لأنه لا يسلم من المذي ، وهو ممنوع ، فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني وحده كالاحتلام .




                                                                                                                          الخدمات العلمية