الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يجلس مفترشا ، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، يقبض منها الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ، ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى ، ثم يتشهد فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، هذا التشهد الأول ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يجلس ) للتشهد إجماعا ( مفترشا ) كجلوسه بين السجدتين ، لحديث أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس للتشهد جلس على رجله اليسرى ، ونصب الأخرى ، وقعد على مقعدته رواه البخاري ، وعنه : إن تورك في أثنائه جاز ، ولا فضل فيه لما روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في وسط الصلاة ، وفي آخرها متوركا والأول أصح ، لأن حديث أبي حميد مقدم على حديث ابن مسعود ، فإن أبا حميد ذكره في عشرة من الصحابة فصدقوه ، وهو متأخر عن ابن مسعود ، فالأخذ به متعين ( ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ) وكذا اليسرى ، لأنه أشهر في الأخبار لا يلقمهما ركبتيه ، وفي " الكافي " واختاره صاحب " النظم " التخيير ، كذا في الأخبار : يديه ، وفيها : كفيه ، وفي حديث وائل بن حجر : ذراعيه ( يقبض منها الخنصر ، والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ) كذا ذكره السامري ، وابن الجوزي [ ص: 462 ] وجزم به في " المحرر " وقدمه في " التلخيص " و " الفروع " لما روى وائل بن حجر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد من أصابعه ، الخنصر والتي تليها ، وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام ، ورفع السبابة يشير بها رواه أحمد ، وأبو داود ، وعنه : يبسطهما ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، وهي ظاهر الخرقي ، وعنه : يقبض أصابعه الثلاث ، ويعقد إبهامه كخمسين ، قدمه ابن تميم ، واختاره المجد في " شرح الهداية " لخبر ابن عمر ، وعنه : هي كيسراه ، فيضع أصابعها مضمومة مستقبلا بها القبلة لا مفرجة ( ويشير بالسبابة ) سميت به ، لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب ، وسباحة ، لأنه يشار بها للتوحيد ، والمراد سبابة اليمنى لفعله عليه السلام ، وظاهره لا بغيرها ، ولو عدمت ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال ، لأن عليه التنبيه على التوحيد ( في تشهده مرارا ) وكذا في " المستوعب " وظاهره أنه يشير بها في كل تشهده ، وهو رواية ، والأشهر أن موضع الإشارة بها عند ذكر الله لتنبه على الوحدانية ، زاد ابن تميم : وذكر رسوله ، وقدم في " التلخيص " أنه يرفعهما في تشهده مرتين أو ثلاثا ، وذكر جماعة أنه يشير بها ، ولم يقولوا مرارا ، وظاهره ولو مرة ، وهو ظاهر كلام أحمد ، والأخبار ، وعلى كل حال لا يحركها في الأصح لفعله عليه السلام ، قال في " الغنية " : ويديم نظره إليها في كل تشهده لخبر ابن الزبير رواه أحمد .

                                                                                                                          فائدة : يشير بالسباحة إذا دعا في صلاته أو غيرها ، نص عليه لحديث وائل ، قال : فرأيته يحركها يدعو بها رواه أبو داود .

                                                                                                                          ( ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى ) لما روى ابن عمر قال : كان رسول الله [ ص: 463 ] - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع أصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها ، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها رواه مسلم ، قوله : على فخذه اليسرى أي : لا يخرج بها عنها ، بل يجعل أطراف أصابعه مسامتة لركبتيه ، زاد في " المحرر " وغيره : مضمومة الأصابع ، زاد في " المغني " وغيره : مستقبلا بأطراف أصابعها القبلة ، قال في " التلخيص " : قريبا من الركبة ، وفي " الكافي " أو يلقمهما ركبتيه ، وقال ابن تميم : إن قبض بها على ركبته فلا بأس ( ثم يتشهد سرا لخبر ابن مسعود ، وهو في الصحيحين وغيرهما ( فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ، ورسوله ) ولفظه : كنا إذا جلسنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، قلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان ، فسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله هو السلام ، فإذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله إلى آخره ، قال : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدع ، وفي لفظ : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد ، كفي بين كفيه ، كما يعلمني السورة من القرآن قال الترمذي : هو أصح حديث في التشهد ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ، والتابعين ، وليس في المتفق عليه حديث غيره ، ورواه أيضا ابن عمر ، وجابر ، وأبو هريرة ، وعائشة ، ويترجح بأنه اختص بأنه عليه السلام أمره بأن يعلمه الناس . رواه أحمد . وليس تشهد ابن عباس أفضل ، وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله إلى آخره ، ولفظ مسلم : وأشهد أن محمدا رسول الله ولا تشهد عمر ، وهو : التحيات [ ص: 464 ] لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك إلى آخره ، فإن تشهد بأحدها أجزأه ، حكاه ابن هبيرة اتفاقا ، لكن قال بعض أصحابنا : وهو الذي في " التلخيص " إنه لا يجزئ غير تشهد ابن مسعود ، فعلى هذا لو ترك منه حرفا لم يجزئه ، وقد ذكر المؤلف ، وصححه هو وغيره : أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس ، وقدمه جماعة ، كما إذا أسقط لفظا لا يسقط المعنى به ، فعلى هذا الواجب خمس كلمات ، وهي : التحيات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أو ( رسول الله ) ، لأن هذا يأتي على معنى الجميع ، وهو المتفق عليه في الروايات ، وظاهره أنه لا يسمي في أوله ، وصرح القاضي بالكراهة ، وأنه يرتب الجمل ، وهو وجه ، لأن إذا لم يرتب فقد أخل به في ذكر مشروع ، فلم يصح كالأذان .



                                                                                                                          فائدة : إذا قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ينوي به النساء ومن لا شركة له في صلاته في ظاهر كلامهم لقوله عليه السلام : أصابت كل عبد لله صالح في السماء ، والأرض .

                                                                                                                          مهمات : التحيات جمع تحية ، وهي العظمة ، وقال أبو عمرو : الملك ، وقال ابن الأنباري : السلام ، وقيل : البقاء ، والصلوات : هي الخمس ، وقيل : الرحمة ، وقيل : الأدعية ، وقيل : العبادات ، والطيبات هي الأعمال الصالحة ، وقال ابن الأنباري : الطيبات من الكلام ، ومن خواص الهيللة أن حروفها كلها مهملة تنبيها على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى ، وجوفية ليس فيها شيء من الشفوية إشارة إلى أنها تخرج من القلب .

                                                                                                                          [ ص: 465 ] ( هذا التشهد الأول ) وظاهره تخفيفه ، وأنه لا يستحب الزيادة عليه ، ونصه فيها : أساء ، ذكره القاضي في الجامع ، واختار ابن هبيرة : تسن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واختاره الآجري ، وزاد : وعلى آله ، وذكر جماعة : لا بأس بزيادة وحده لا شريك له ، وقيل : قولها أولى ، ويكرره مسبوق ، نص عليه ، فإن سلم قبل تمامه قام ولم يتمه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية