وأما
nindex.php?page=treesubj&link=20659الرخصة ; فما شرع لعذر شاق ، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه .
فكونه " مشروعا لعذر " هو الخاصة التي ذكرها علماء الأصول .
[ ص: 467 ] وكونه شاقا ; فإنه قد يكون العذر مجرد الحاجة من غير مشقة موجودة ، فلا يسمى ذلك رخصة ; كشرعية القراض مثلا ; فإنه لعذر في الأصل ، وهو عجز صاحب المال عن الضرب في الأرض ، ويجوز حيث لا عذر ولا عجز ، وكذلك المساقاة والقرض والسلم ، فلا يسمى هذا كله رخصة ، وإن كانت مستثناة من أصل ممنوع ، وإنما يكون مثل هذا داخلا تحت أصل الحاجيات الكليات ، والحاجيات لا تسمى عند العلماء باسم الرخصة ، وقد يكون العذر راجعا إلى أصل تكميلي فلا يسمى رخصة أيضا ، وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=1526من لا يقدر على الصلاة قائما أو يقدر بمشقة ، فمشروع في حقه الانتقال إلى الجلوس ، وإن كان مخلا بركن من أركان الصلاة ، لكن بسبب المشقة استثني فلم يتحتم عليه القيام ; فهذا رخصة محققة ; فإن كان هذا المترخص إماما ; فقد جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337442إنما جعل الإمام ليؤتم به ، ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337443وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فصلاتهم جلوسا وقع لعذر ; إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة ، بل لطلب الموافقة للإمام وعدم المخالفة عليه ، فلا يسمى مثل هذا رخصة ، وإن كان مستثنى لعذر .
[ ص: 468 ] وكون هذا المشروع لعذر " مستثنى من أصل كلي " يبين لك أن الرخص ليست بمشروعة ابتداء ; فلذلك لم تكن كليات في الحكم ، وإن عرض لها ذلك ; فبالعرض ، فإن المسافر إذا أجزنا له القصر والفطر ; فإنما كان ذلك بعد استقرار أحكام الصلاة والصوم ، هذا وإن كانت آيات الصوم نزلت دفعة واحدة ; فإن الاستثناء ثان عن استقرار حكم المستثنى منه على الجملة ، وكذلك أكل الميتة للمضطر في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر الآية [ البقرة : 173 ] .
وكونه " مقتصرا به على موضع الحاجة " خاصة من خواص الرخص أيضا لا بد منه ، وهو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية ، وما شرع من الرخص ; فإن شرعية الرخص جزئية يقتصر فيها على موضع الحاجة ; فإن المصلي إذا انقطع سفره ، وجب عليه الرجوع إلى الأصل من إتمام الصلاة وإلزام الصوم ، والمريض إذا قدر على القيام في الصلاة لم يصل قاعدا ، وإذا قدر على مس الماء لم يتيمم ، وكذلك سائر الرخص بخلاف القرض والقراض والمساقاة ، ونحو ذلك مما هو يشبه الرخصة ; فإنه ليس برخصة في حقيقة هذا الاصطلاح لأنه مشروع أيضا ، وإن زال العذر فيجوز للإنسان أن يقترض ، وإن لم يكن به حاجة إلى الاقتراض ، وأن يساقي حائطه وإن كان قادرا على عمله بنفسه أو بالاستئجار عليه ، وأن يقارض بماله وإن كان قادرا على التجارة فيه بنفسه أو بالاستئجار ، وكذلك ما أشبهه .
فالحاصل أن العزيمة راجعة إلى أصل كلي ابتدائي ، والرخصة راجعة
[ ص: 469 ] إلى جزئي مستثنى من ذلك الأصل الكلي .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20659الرُّخْصَةُ ; فَمَا شُرِعَ لِعُذْرٍ شَاقٍّ ، اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ .
فَكَوْنُهُ " مَشْرُوعًا لِعُذْرٍ " هُوَ الْخَاصَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عُلَمَاءُ الْأُصُولِ .
[ ص: 467 ] وَكَوْنُهُ شَاقًّا ; فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْعُذْرُ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ ، فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ رُخْصَةً ; كَشَرْعِيَّةِ الْقِرَاضِ مَثَلًا ; فَإِنَّهُ لِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمَالِ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ، وَيَجُوزُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا عَجْزَ ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْقَرْضُ وَالسَّلَمُ ، فَلَا يُسَمَّى هَذَا كُلُّهُ رُخْصَةً ، وَإِنَّ كَانَتْ مُسْتَثْنَاةً مِنْ أَصْلٍ مَمْنُوعٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا دَاخِلًا تَحْتَ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّاتِ ، وَالْحَاجِيَّاتُ لَا تُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاسْمِ الرُّخْصَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْعُذْرُ رَاجِعًا إِلَى أَصْلٍ تَكْمِيلِيٍّ فَلَا يُسَمَّى رُخْصَةً أَيْضًا ، وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1526مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ يَقْدِرُ بِمَشَقَّةٍ ، فَمَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ الِانْتِقَالُ إِلَى الْجُلُوسِ ، وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، لَكِنْ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ اسْتُثْنِيَ فَلَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ الْقِيَامُ ; فَهَذَا رُخْصَةٌ مُحَقَّقَةٌ ; فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَرَخِّصُ إِمَامًا ; فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337442إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337443وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ فَصَلَاتُهُمْ جُلُوسًا وَقَعَ لِعُذْرٍ ; إِلَّا أَنَّ الْعُذْرَ فِي حَقِّهِمْ لَيْسَ الْمَشَقَّةَ ، بَلْ لِطَلَبِ الْمُوَافِقَةِ لِلْإِمَامِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ عَلَيْهِ ، فَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا رُخْصَةً ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى لِعُذْرٍ .
[ ص: 468 ] وَكَوْنُ هَذَا الْمَشْرُوعِ لِعُذْرٍ " مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ " يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الرُّخَصَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ ابْتِدَاءً ; فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ كُلِّيَّاتٍ فِي الْحُكْمِ ، وَإِنْ عَرَضَ لَهَا ذَلِكَ ; فَبِالْعَرَضِ ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَجَزْنَا لَهُ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ ; فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، هَذَا وَإِنْ كَانَتْ آيَاتُ الصَّوْمِ نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً ; فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ثَانٍ عَنِ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنِ اضْطُرَّ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 173 ] .
وَكَوْنُهُ " مُقْتَصِرًا بِهِ عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ " خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّ الرُّخَصِ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَهُوَ الْفَاصِلُ بَيْنَ مَا شُرِعَ مِنَ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ ، وَمَا شُرِعَ مِنَ الرُّخَصِ ; فَإِنَّ شَرْعِيَّةَ الرُّخَصِ جُزْئِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ; فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَإِلْزَامِ الصَّوْمِ ، وَالْمَرِيضُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لَمْ يَتَيَمَّمْ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرُّخَصِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ فِي حَقِيقَةِ هَذَا الِاصْطِلَاحِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَيْضًا ، وَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى الِاقْتِرَاضِ ، وَأَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُقَارِضَ بِمَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التِّجَارَةِ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِئْجَارِ ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَزِيمَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى أَصْلٍ كُلِّيٍّ ابْتِدَائِيٍّ ، وَالرُّخْصَةُ رَاجِعَةٌ
[ ص: 469 ] إِلَى جُزْئِيٍّ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْكُلِّيِّ .