الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) .

الحمد لله الهادي من استهداه ، الواقي من اتقاه ، الكافي من تحرى رضاه ، حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه .

والصلاة والسلام الأكملان على نبينا والنبيين ، وآل كل ، ما رجا راج مغفرته ورحماه ، آمين .

هذا ، وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة ، وأنفع الفنون النافعة ، يحبه ذكور الرجال وفحولتهم ، ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ، ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم . وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها ، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها . ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء ، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء .

ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما ، عظيمة جموع طلبته ، رفيعة مقادير حفاظه وحملته . وكانت علومه بحياتهم حية ، وأفنان [ ص: 6 ] فنونه ببقائهم غضة ، ومغانيه بأهله آهلة ، فلم يزالوا في انقراض ، ولم يزل في اندراس حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد ، ضعيفة العدد . لا تعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا ، مطرحين علومه التي بها جل قدره ، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره .

فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا ، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا ، من الله الكريم تبارك وتعالى علي وله الحمد أجمع بكتاب " معرفة أنواع علم الحديث " ، هذا الذي باح بأسراره الخفية ، وكشف عن مشكلاته الأبية ، وأحكم معاقده ، وقعد قواعده ، وأنار معالمه ، وبين أحكامه ، وفصل أقسامه ، وأوضح أصوله ، وشرح فروعه وفصوله ، وجمع شتات علومه وفوائده ، وقنص شوارد نكته وفرائده .

فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع ، والإعطاء والمنع أسأل ، وإليه أضرع وأبتهل ، متوسلا إليه بكل وسيلة ، متشفعا إليه بكل شفيع ، أن يجعله مليا بذلك [ ص: 7 ] وأملى وفيا بكل ذلك وأوفى . وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين ، إنه قريب مجيب . ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية