الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة عن رسول الله باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

                                                                                                          1 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب ح وحدثنا هناد حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول قال هناد في حديثه إلا بطهور قال أبو عيسى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس وأبو المليح بن أسامة اسمه عامر ويقال زيد بن أسامة بن عمير الهذلي [ ص: 3 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                          الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . أما بعد : فيقول العبد الضعيف ، الراجي رحمة ربه الكريم محمد عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الرحيم جعل الله مآلهما النعيم المقيم : إني قد فرغت بعونه تعالى من تحرير المقدمة التي كنت أردت إيرادها في أول شرحي لجامع الترمذي ، والآن قد حان الشروع في تحرير الشرح ، وفقني الله تعالى لإتمامه ، وأعانني عليه بفضله وكرمه وسميته " تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وانفع به كل من يرومه من الطالب المبتدي والراغب المنتهي ، واجعله لنا من الباقيات الصالحات ، ومن الأعمال التي لا تنقطع بعد الممات .

                                                                                                          اعلم زادك الله علما نافعا أني رأيت أن أكثر شراح كتب الحديث قد بدءوا شروحهم بذكر أسانيدهم إلى مصنفيها ، وحكى الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " عن بعض الفضلاء أن الأسانيد أنساب الكتب ، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الإمام الترمذي رحمه الله تعالى فأقول : إني قرأت جامع الترمذي من أوله إلى آخره على شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين ، المحدث الدهلوي ، رحمه الله تعالى سنة ست بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية ، في دهلي ، فأجازني به ، وبجميع ما قرأت عليه من كتب الحديث وغيرها ، وكتب لي الإجازة بخطه الشريف ، وهذه صورتها .

                                                                                                          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين .

                                                                                                          أما بعد : فيقول العبد الضعيف ، طالب الحسنيين ، محمد نذير حسين ، عافاه الله تعالى في الدارين : إن المولوي الذكي أبا العلى محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الحاج عبد الرحيم الأعظم كدهي المباركفوري ، قد قرأ علي صحيح البخاري وصحيح مسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داود كل واحد منه بتمامه وكماله ، وأواخر النسائي ، وأوائل ابن ماجه ، ومشكاة المصابيح ، وبلوغ المرام ، وتفسير الجلالين ، وتفسير البيضاوي ، وأوائل الهداية وأكثر شرح نخبة الفكر ، وسمع ترجمة القرآن المجيد إلا ستة أجزاء ، فعليه أن يشتغل بإقراء الكتب المذكورة ، والموطأ وسنن الدارمي والمنتقى ، وغيرها من كتب الحديث والتفسير والفقه ، وتدريسها ، لأنه أهلها بالشروط [ ص: 4 ] المعتبرة عند أهل الحديث ، وإني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأورع البارع في الآفاق محمد إسحاق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ الأجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ القرم المعظم بقية السلف وحجة الخلف الشاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وباقي السند مكتوب عنده .

                                                                                                          وأوصيه بتقوى الله تعالى في السر والعلانية ، وإشاعة السنة السنية بلا خوف لومة لائم حرر سنة 1306 الهجرية المقدسة .

                                                                                                          قلت : باقي السند هكذا : قال الشاه ولي الله : قرأت طرفا من جامع الترمذي على أبي الطاهر يعني محمد بن إبراهيم الكردي المدني ، وأجاز لسائره عن أبيه يعني إبراهيم الكردي المدني ، عن المزاحي ، يعني السلطان بن أحمد ، عن الشهاب أحمد بن الخليل السبكي ، عن النجم الغيطي ، عن الزين زكريا ، عن العز عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن عمر بن الحسن المراغي ، عن الفخر بن أحمد البخاري ، عن عمر بن طبرزد البغدادي ، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروخي ، أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الأزدي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله الجراحي المروزي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي ، أخبرنا أبو عيسى بن سورة بن موسى الترمذي .

                                                                                                          قلت : وإني قرأت أطرافا من جامع الترمذي وغيره من الأمهات الست وغيرها على شيخنا العلامة الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني ، فأجازني لسائر ما قرأت عليه من كتب الحديث ، بل لجميع ما حواه إتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر من الكتب الحديثية وغيرها ، وكتب لي الإجازة وهذه صورتها :

                                                                                                          الحمد لله الذي تواتر علينا فضله وإحسانه ، الموصول إلينا بره وامتنانه ، والصلاة والسلام على من صح سند كمالاته ، وتسلسل إلينا مرفوع ما وصل من هباته ، وعلى آله وأصحابه ، وناصريه وأحزابه .

                                                                                                          وبعد : فإنه وقع الاتفاق في بلدة آره بالمولوي محمد عبد الرحمن المتوطن مباركبور من توابع أعظم كده ، وقرأ علي أطرافا من الأمهات الست ، ومن موطأ الإمام مالك ومن مسند الدارمي ، ومن مسند الإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، ومن الأدب المفرد للبخاري ، ومن معجم الطبراني الصغير ، ومن سنن الدارقطني ، وطلب مني الإجازة بعد القراءة ، ووصل سنده بسند مؤلفيها الأجلاء القادة ، فأسعفته بمطلوبه ، تحقيقا لظنه ومرغوبه ، وإن كنت لست أهلا لذلك ، ولا ممن يخوض في هذه المسالك ، ولكن تشبها بالأئمة الأعلام السابقين الكرام .

                                                                                                          [ ص: 5 ]


                                                                                                          وإذا أجزت مع القصور فإنني أرجو التشبه بالذين أجازوا للسالكين إلى الحقيقة منهجا
                                                                                                          سبقوا إلى غرف الجنان ففازوا



                                                                                                          فأقول وبالله التوفيق : إني قد أجزت المولوي محمد عبد الرحمن المذكور أن يروي عني هذه الكتب المذكورة بأسانيدها المتصلة إلى مؤلفيها ، المذكورة في ثبت شيخ مشايخنا الإمام الحافظ الرباني ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، المسمى " بإتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر " مع بيان كل إسناد إلى مؤلفه ، بل أجزته أن يروي عني جميع ما حواه إتحاف الأكابر من الكتب الحديثية وغيرها ، أجازني برواية جميع ما فيه شيخاي : الشريف محمد بن ناصر الحسني الحازمي ، وشيخنا القاضي العلامة أحمد ابن الإمام المؤلف محمد بن علي الشوكاني كلاهما عن مؤلفه الإمام الحافظ الرباني محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى ، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن ، ومتابعة السنن ، وأن لا ينساني من صالح دعواته في كل حالاته ، ومشايخي ووالدي وأولادي ، وفقنا الله وإياه لما يرضاه ، وسلك بنا وبه بطريق النجاة ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم . مؤرخه يوم الأحد لاثنتي عشرة خلون من شهر شعبان أحد شهور ألف وثلاثمائة وأربعة عشر من الهجرة النبوية ، على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى التسليم والتحية . أملاه المجيز بلسانه ، الحقير الفقير إلى إحسان ربه الكريم الباري ، حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني ، عفا الله عنه .

                                                                                                          قلت : ثبت شيخ شيوخ مشايخنا القاضي الشوكاني المسمى بإتحاف الأكابر عندي موجود نقلته من نسخة قلمية صحيحة ، منقولة من خط تلميذ المصنف والمجاز منه الشيخ العلامة أبو الفضل عبد الحق المحمدي ، والآن قد طبع هذا الثبت المبارك ، وشاع وقد ذكر القاضي الشوكاني مصنف هذا الثبت أسانيد جامع الترمذي في فصل السين ، فقال : سنن الترمذي أرويها بالسماع لجميعها من لفظ شيخنا السيد العلامة عبد القادر أحمد بإسناده المتقدم في تفسير الثعلبي ، إلى الشماخي ، عن أحمد بن محمد الشرجي اليمني ، عن زاهر بن رستم الأصفهاني ، عن القاسم بن أبي سهل الهروي ، عن محمود بن القاسم الأزدي ، عن عبد الجبار بن محمد المروزي ، عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي عن المؤلف .

                                                                                                          وأرويها عن شيخنا المذكور بإسناده المتقدم في أول هذا المختصر إلى محمد البابلي ، عن النور علي بن يحيى الزيادي ، عن الرملي ، بإسناده المتقدم قريبا إلى ابن طبرزد ، عن عبد الملك بن أبي سهل الكروخي ، عن محمود بن القاسم الأزدي ، عن عبد الجبار بن محمد المروزي ، عن محمد بن محبوب المروزي ، عن المؤلف .

                                                                                                          وأرويها عن شيخنا المذكور ، عن محمد بن الطيب المغربي ، عن إبراهيم بن محمد المراغي ، [ ص: 6 ] عن أحمد بن محمد العجلي ، عن يحيى بن مكرم الطبري ، عن جده المحب الطبري عن الزين المراغي ، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار ، عن أبي النجا عبد الله بن عمر اللتي ، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي ، عن أبي عامر الأزدي ، عن أبي محمد الجراحي ، عن أبي العباس المحبوبي ، عن المؤلف .

                                                                                                          وأرويها عن شيخنا السيد علي بن إبراهيم بن عامر بإسناده السابق في سنن أبي داود إلى الديبع ، عن السخاوي ، عن ابن حجر ، عن البرهان التنوخي ، عن أبي القاسم بن عساكر ، عن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود ، عن محمد بن علي بن صالح ، عن أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي ، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن المؤلف .

                                                                                                          وأرويها عن شيخنا السيد علي المذكور ، وشيخنا الحسن بن إسماعيل المغربي بالإسناد المتقدم في سنن أبي داود إلى علي بن أحمد المرحومي ، عن إبراهيم الذماري ، عن الشهاب القليوبي ، عن النور الزيادي ، عن الشمس الرملي ، عن زكريا الأنصاري ، عن الشمس القاياتي ، عن أحمد بن أبي زرعة ، عن أبيه ، عن الزين عبد الرحيم العراقي ، عن عمر العراقي ، عن علي بن البخاري ، عن ابن طبرزد بإسناده السابق إلى المؤلف .

                                                                                                          وأرويها عن شيخنا يوسف بن محمد بن علاء الدين المزجاجي ، عن أبيه عن جده عن إبراهيم الكردي بإسناده المتقدم في سنن أبي داود إلى ابن طبرزد بإسناده المذكور هاهنا إلى المؤلف . انتهى ما في إتحاف الأكابر .

                                                                                                          قلت : قد قال العلامة الشوكاني في خطبة هذا الثبت : قد اقتصرت في الغالب على ذكر إسناد واحد ، وأحلت في أسانيد البعض على البعض طلبا للاختصار . انتهى . فعليك أن ترجع إلى إتحاف الأكابر لتقف على ما أحال عليه في أسانيد جامع الترمذي بعضها على البعض ، وأنا أذكر هاهنا إسناده المتقدم في تفسير الثعلبي إلى الشماخي . قال الشوكاني : تفسير الكشف والبيان في تفسير القرآن : أرويه عن شيخي السيد عبد القادر بن أحمد ، عن شيخه السيد سليمان بن يحيى الأهدل ، عن السيد أحمد بن محمد الأهدل ، عن السيد يحيى بن عمر الأهدل ، عن السيد العلامة أبي بكر بن علي البطاح الأهدل ، عن يوسف بن محمد البطاح الأهدل ، عن السيد طاهر بن حسين الأهدل ، عن الحافظ الديبع ، عن زين الدين الشرجي ، عن نفيس الدين العلوي ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي الخير الشماخي إلخ .

                                                                                                          وهاأنا أشرع في المقصود ، متوكلا على الله الملك الودود ، وما توفيقي إلا بالله ، وهو حسبى ونعم الوكيل .

                                                                                                          [ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                          الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين .

                                                                                                          أما بعد ، فيقول العبد الضعيف ، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الرحيم المباركفوري ، عفا الله عنه تعالى عنهما : إني قرأت هذا الكتاب المبارك - أعني جامع الترمذي - من أوله إلى آخره ، على شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، أجازني به وقال : إني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأورع البارع في الآفاق ، محمد إسحاق ، المحدث الدهلوي ، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ الأجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي ، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن أبيه الشيخ القرم المعظم بقية السلف حجة الخلف الشاه ولي الله بن الشاه عبد الرحيم المحدث الدهلوي ، وقال الشاه ولي الله : قرأت على أبي الطاهر المدني طرفا من جامع الترمذي وأجاز لسائره ، عن أبيه ، عن المزاحي ، عن الشهاب أحمد السبكي عن النجم الغيطي ، عن الزين زكريا ، عن العز عبد الرحيم بن محمد الفرات ، عن عمر بن الحسن المراغي ، عن الفخر بن أحمد البخاري ، عن عمر بن طبرزد البغدادي ، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم إلخ . .

                                                                                                          [ ص: 9 ] قوله ( بسم الله الرحمن الرحيم ) افتتح الكتاب بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم ، واقتفاء بكتب نبيه الكريم ، وعملا بحديثه في بداءة كل أمر ذي بال ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهو ما أخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه من حديث أبي هريرة مرفوعا كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع واقتصر المصنف على البسملة كالإمام البخاري في صحيحه ، وكأكثر المتقدمين في تصانيفهم ، ولم يأت بالحمد والشهادة ، مع ورود قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع وقوله كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء وأخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ، لما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : من أن الحديثين في كل منهما مقال ، سلمنا صلاحيتهما للحجة لكن ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معا ، فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب ، ولم يكتب ذلك اقتصارا على البسملة ، لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله ، وقد حصل بها ، انتهى كلام الحافظ . قلت : قد جاء في رواية لفظ " ذكر الله " ففي مسند الإمام أحمد : حدثنا أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع فبهذه الرواية يجمع بين الروايات الثلاث المختلفة المتقدمة .

                                                                                                          قال تاج الدين السبكي في أول طبقات الشافعية في الجمع بين هذه الروايات الثلاث المختلفة ما لفظه : وأما الحمد والبسملة فجائزان ، يعني بهما ما هو الأعم منهما وهو ذكر الله والثناء عليه على الجملة ، إما بصيغة الحمد أو غيرها ، ويدل على ذلك رواية ذكر الله ، وحينئذ فالحمد والذكر والبسملة سواء ، وجائز أن يعني خصوص الحمد وخصوص البسملة ، وحينئذ فرواية الذكر أعم ، فيقضى لها على الروايتين الأخريين ؛ لأن المطلق إذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل على واحد منهما ، ويرجع إلى أصل الإطلاق ، وإنما قلنا إن خصوص الحمد والبسملة متنافيان ، لأن البداءة إنما تكون بواحد ، ولو وقع الابتداء بالحمد لما وقع بالبسملة وعكسه ، ويدل على أن المراد الذكر ، فتكون روايته هي المعتبرة ( و ) أن غالب الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كالصلاة فإنها مفتتحة بالتكبير والحج وغير ذلك ، فإن قلت : لكن رواية بحمد الله أثبت من رواية بذكر الله ، قلت : صحيح ولكن لم قلت إن المقصود بحمد الله خصوص لفظ الحمد ، ولم لا يكون المراد ما هو أعم من لفظ الحمد والبسملة ، ويدل على ذلك ما ذكرت لك من الأعمال الشرعية التي لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه . انتهى كلام التاج السبكي . ثم قال الحافظ ابن حجر في تأييد كلامه المذكور : ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن اقرأ باسم ربك فطريق التأسي به [ ص: 10 ] الافتتاح بالبسملة ، ويؤيده أيضا وقوع كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها ، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل ، وحديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وغيرذلك من الأحاديث . انتهى .

                                                                                                          تنبيه : قال الشيخ بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح البخاري : اعتذروا عن البخاري - أي عن اقتصاره على البسملة - بأعذار هي بمعزل عن القبول ، ثم ذكر العيني سبعة أعذار ، واعترض على كل واحد منها ثم قال : والأحسن فيه ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه ذكر الحمد بعد التسمية كما هو دأب المصنفين في مسودته ، كما ذكره في بقية مصنفاته ، وإنما سقط ذلك من بعض المبيضين فاستمر على ذلك . انتهى كلام العيني ، قلت : هذا الاعتذار أيضا بمعزل عن القبول ، فإنه ليس بحسن فضلا عن أن يكون أحسن ، بل هو أبعد الأعذار كلها ، فإن قوله : إنه ذكر الحمد بعد التسمية في مسودته إلخ ادعاء محض لا دليل عليه ، وأما قوله : كما هو دأب المصنفين ، فيدل على أنه لم ير تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه ، وأهل عصره وغيرهم من المتقدمين ، فإنه لم يكن دأبهم في ابتداء تصانيفهم ذكر الحمد بعد التسمية ، بل كان دأبهم الاقتصار على التسمية ، كما صرح به الحافظ ابن حجر ، وأما قوله : كما ذكره في بقية مصنفاته ، فيدل على أنه لم ير بقية مصنفات البخاري أيضا ، فإن من مصنفاته الأدب المفرد وكتاب خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وكتاب الضعفاء والتاريخ الصغير وجزء القراءة خلف الإمام وجزء رفع اليدين ، ولم يذكر في ابتداء واحد من هذه الكتب الحمد بعد التسمية ، بل اقتصر في كل منها على التسمية ، قال الحافظ في الفتح : وأبعد من ذلك كله قول من ادعى أنه ابتداء الخطبة فيها حمد وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب ، وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره ، كمالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند وأبي داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم الأكثر ، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة ، أفيقال في كل هؤلاء : إن الرواة عنه حذفوا ذلك ؟ كلا بل يحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظا ، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد : أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب الحديث ، ولا يكتبها ، والحامل له على ذلك إسراع أو غيره ، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصا بالخطب دون الكتب ، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم والله تعالى أعلم . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          تنبيه آخر : قد اختلفوا في حديث الحمد المذكور ، فبعضهم ضعفوه كالحافظ ابن حجر ، وبعضهم حسنوه كالحافظ ابن الصلاح ، وبعضهم صححوه كابن حبان . قال العيني في عمدة [ ص: 11 ] القاري : الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة ، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة كما أخرجه النسائي . انتهى . قلت : قد وقع في إسناده ومتنه اختلاف كثير ، وقد استوعب طرقه وألفاظه تاج الدين السبكي في أول كتاب طبقات الشافعية الكبرى ، وبسط الكلام في بيان ما وقع إسناده ومتنه من الاختلاف ، ثم في دفعه ، وقال في آخر كلامه ما لفظه : هذا منتهى الكلام على الحديث ، ولا ريب في أنه بعد ثبوت صحته ورفعه مسندا غير بالغ مبلغ الأحاديث المتفق على أنها مسندة ، ولكن الصحيح مراتب . انتهى كلام السبكي ، وقال في أثناء كلامه : وقد قضى ابن الصلاح بأن الحديث حسن دون الصحيح وفوق الضعيف محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة ، قال : فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له . انتهى .

                                                                                                          فائدة : قال الحافظ في الفتح : اختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا ، فجاء عن الشعبي منع ذلك - يعني كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في أوله - وعن الزهري قال : مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم ، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك ، وتابعه على ذلك الجمهور ، وقال الخطيب : هو المختار . انتهى . وقال القاري في المرقاة : والأحسن التفصيل ، بل هو الصحيح ، فإن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فيصان إيراد البسملة في الهجويات ومدائح الظلمة ونحوها . انتهى .

                                                                                                          قوله : أخبرنا الشيخ ( أبو الفتح ) قائله عمر بن طبرزد البغدادي تلميذ أبي الفتح عبد الملك . ( عبد اللة بن أبي سهل ) بالجر هو اسم أبي القاسم ( الهروي ) بالهاء والراء المهملة المفتوحتين نسبة إلى الهراة مدينة مشهورة بخراسان كذا في المغني للعلامة محمد طاهر صاحب مجمع البحار .

                                                                                                          ( الكروخي ) بفتح الكاف وضم الراء الخفيفة وبالخاء المعجمة منسوب إلى كروخ من بلاد خراسان ، والمراد به عبد الملك بن أبي القاسم راوي الترمذي ، كذا في المغني ، وقال في القاموس : كروخ كصبور قرية بهراة . انتهى .

                                                                                                          فائدة : قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته : قد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها ، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم مسكن القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان وأضاع كثير منهم أنسابهم ، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان ، قال : ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما بالانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه . وحسن أن يدخل على الثاني كلمة " ثم " ، فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا " فلان المصري ثم الدمشقي " ومن كان من [ ص: 12 ] أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينسب إلى القرية أو إلى البلدة أيضا وإلى الناحية التي تلك البلدة منها أيضا . انتهى .

                                                                                                          ( وأنا أسمع ) جملة حالية ، أي قال عمر بن طبرزد : أخبرنا أبو الفتح ، والحال أني كنت سامعا .

                                                                                                          ( قال أنا القاضي ) أي قال الكروخي : أخبرنا القاضي ، فقوله " أنا " رمز إلى أخبرنا ، قال النووي في مقدمة شرح مسلم : جرت العادة بالاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا ، واستمر الاصطلاح عليه من قديم الأعصار إلى زماننا واشتهر ذلك بحيث لا يخفى ، فيكتبون من حدثنا " ثنا " وهي الثاء والنون والألف ، وربما حذف الثاء ، ويكتبون من أخبرنا " أنا " ولا تحسن زيادة الباء قبل نا . انتهى .

                                                                                                          فائدة : قال النووي : كان من مذهب مسلم رحمه الله الفرق بين حدثنا وأخبرنا : أن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة ، وأخبرنا لما قرئ على الشيخ ، وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه ، وجمهور أهل العلم بالمشرق . قال محمد بن الحسن الجوهري المصري : وهو مذهب أكثر أهل الحديث الذين لا يحصيهم أحد ، وروي هذا المذهب أيضا عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب ، وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة : وتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ هو الشائع بين أهل الحديث اصطلاحا . انتهى . قلت : وكذا الإخبار مخصوص بالقراءة على الشيخ قال الحافظ : ولا فرق بين التحديث والإخبار من حيث اللغة ، وفي ادعاء الفرق بينهما تكلف شديد ، لكن لما تقرر في الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية ، فتقدم على الحقيقة اللغوية ، مع أن هذا الاصطلاح إنما شاع عند المشارقة ومن تبعهم ، وأما غالب المغاربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح ، بل الإخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد . انتهى كلام الحافظ . قلت : وهو مذهب الإمام البخاري ، واعلم أن هاهنا تفصيلا آخر ، وهو أن من سمع وحده من لفظ الشيخ قال : حدثني ، ومن سمع مع غيره جمع فقال : حدثنا ، وكذا الفرق بين أخبرني وبين أخبرنا .

                                                                                                          ( الأزدي ) منسوب إلى الأزد : بفتح الهمزة المفتوحة وسكون الزاي المعجمة ، قبيلة ( قراءة عليه وأنا أسمع ) أي أخبرنا القاضي حال كونه يقرأ عليه وأنا أسمع ، أو حال كونه قارئا عليه غيري وأنا أسمع ، فقوله قراءة مصدر بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل ، منصوب على الحالية ، قال السيوطي في تدريب الراوي : قول الراوي أخبرنا سماعا أو قراءة هو من باب قولهم " أتيته سعيا " وكلمته مشافهة ، وللنحاة فيه مذاهب : أحدها وهو رأي سيبويه أنها مصادر وقعت موقع فاعل حالا ، كما وقع المصدر موقعه نعتا ، في " زيد عدل " وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس ، فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع لعدم نطق العرب بذلك ، والثاني [ ص: 13 ] وهو للمبرد : ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها ، وذلك المضمر هو الحال ، وأنه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم ، وعلى هذا تتخرج الصيغة المذكورة ، بل كلام ابن حبان في تذكرته يقتضي أن أخبرنا سماعا مسموع ، وأخبرنا قراءة لم يسمع ، وأنه يقاس على الأول على هذا ، القول الثالث : وهو للزجاج ، قال بقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس ، الرابع : وهو للسيرافي ، قال : هو من باب " جلست قعودا " منصوب بالظاهر ، مصدرا معنويا ، انتهى كلام السيوطي .

                                                                                                          ( الترياقي ) منسوب إلى الترياق : بالكسر قرية بهراة ( الغورجي ) قال في المغني : بمضمومة وسكون واو وبراء وجيم منسوب كذا ، والمراد منه أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل أحد مشايخ الكروخي في الترمذي . انتهى . قال في القاموس في باب الغور : الغورة بالضم قرية عند باب هراة وهو غورجي على خلاف القياس . انتهى .

                                                                                                          ( قالوا ) أي الأزدي والترياقي والغورجي ، وهم شيوخ الكروخي .

                                                                                                          ( الجراحي ) قال في المغني : بمفتوحة وشدة راء وبحاء مهملة منه عبد الجبار بن محمد . انتهى .

                                                                                                          ( المروزي ) منسوب إلى مرو ، قال في القاموس : بلد بفارس ، والنسبة مروي ومروي ومروزي . انتهى . وقال فيه أيضا : المروزي نسبة إلى مرو بزيادة زاي مدينة بخراسان . انتهى . وقال ابن الهمام في فتح القدير : المروي بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة ، وأما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها بزيادة الزاي ، كأنه للفرق بين القريتين . انتهى .

                                                                                                          ( المرزباني ) قال في المغني : بمفتوحة وسكون راء وضم زاي وبموحدة وبنون ، منسوب إلى مرزبان : جد محمد بن أحمد راوي الترمذي . انتهى . وقلت فيه أن المرزباني وقع نعتا لأبي محمد عبد الجبار لا لمحمد بن أحمد ، وقال في القاموس : المرزبة كمرحلة رئاسة الفرس ، وهو مرزبانهم بضم الزاي ج مرازبة .

                                                                                                          ( أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي فأقر به الشيخ الثقة الأمين ) ، هكذا وقعت هذه العبارة في النسخ المطبوعة في الهند بزيادة لفظ ( فأقر به الشيخ الثقة الأمين ) بعد لفظ المروزي ، وقد وقعت هذه العبارة في بعض النسخ القلمية الصحيحة هكذا : أنا الشيخ الثقة الأمين أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل [ ص: 14 ] المحبوبي المروزي ، بحذف لفظ فأقر به ، ووقوع لفظ الشيخ الثقة الأمين بعد لفظ أنا ، وهكذا وقعت هذه العبارة في الأثبات الصحيحة ، كثبت الكردي والكزبري والشنواني والشاه ولي الله ، وهذا مما أفادني شيخنا العلامة القاضي حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني غفر الله له ، وقد وقعت هذه العبارة في نسخة قلمية صحيحة عتيقة هكذا : قال أنبأ أبو العباس محمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي الشيخ الثقة الأمين قال أنبأ أبو عيسى بن سورة الترمذي ، بحذف لفظ فأقر به ، وهذه النسخة موجودة في مكتبة خدا بخش خان العظيم أبادي .

                                                                                                          تنبيه : العبارة التي وقعت في بعض النسخ القلمية والأثبات الصحيحة معناها ظاهر واضح وكذا العبارة التي وقعت في النسخة القلمية العتيقة معناها واضح ، وأما العبارة التي وقعت في النسخ المطبوعة فقد جزم بعض أهل العلم بأن جملة " فأقر به الشيخ الثقة الأمين " فيها غلط لا يستقيم معناها .

                                                                                                          قلت : هذه الجملة فيها ليست عندي بغلط بل هي صحيحة معناها مستقيم ، فاعلم أن المراد بالشيخ الثقة الأمين في هذه الجملة أبو محمد عبد الجبار ، والمعنى ، أن القاضي الزاهد أبا عامر والشيخ أبا نصر عبد العزيز والشيخ أبا بكر أحمد بن عبد الصمد من تلامذة أبي محمد عبد الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه ، بأن كان أحد من تلامذته يقرؤه عليه والباقون كانوا يسمعون ، والشيخ أبو محمد عبد الجبار كان مصغيا فاهما غير منكر ، وكان قراءة القارئ عليه هكذا : قلت : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي إلخ فأقر به الشيخ الثقة الأمين . أي أبو محمد عبد الجبار يعني فأقر بما قرئ عليه ، ولم ينكر فصح سماعهم منه وجاز لهم الرواية عنه . وينبغي لكل من يقرأ هذا الكتاب على شيخه ويعرضه عليه أن يقول بعد قوله قراءة عليه : قيل له قلت أخبرنا أبو العباس إلخ .

                                                                                                          ولا بد لنا من أن نذكر هاهنا بعض عبارات تدريب الراوي وغيره ليتضح لك ما قلنا في تصحيح الجملة المذكورة ، قال السيوطي في التدريب : القسم الثاني من وجوه التحمل : القراءة على الشيخ ، ويسميها أكثر المحدثين عرضا ، سواء قرأت عليه بنفسك أو قرأ عليه غيرك وأنت تسمع ، والأحوط في الرواية بها أن يقول قرأت على فلان إن قرأ بنفسه ، أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به ، ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة : كحدثنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع ، أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع . انتهى . وقال فيه : وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظا صح السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم ، على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض [ ص: 15 ] أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به . انتهى كلام السيوطي ملخصا .

                                                                                                          وقال النووي في مقدمة شرح مسلم : جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط ، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها ، وإذا كان في الكتاب : قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارئ : قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان ، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان . انتهى كلام النووي .

                                                                                                          فإذا وقفت على هذه العبارات وعرفت مدلولها يتضح لك ما قلنا في تصحيح جملة فأقر به الشيخ الثقة الأمين إن شاء الله تعالى .

                                                                                                          تنبيه : قال صاحب العرف الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه : المراد بالشيخ هو المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين ، وهذه العبارة يعني فأقر به الشيخ الثقة الأمين ليست في النسخ المعتبرة ، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب ، وكان علم من قبله بالصدور ، فإذا صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي بكتابه وصحته ، فلذا قال تلميذ المحبوبي أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب . انتهى كلامه .

                                                                                                          قلت : هذا التوجيه باطل جدا ، فإن مبناه على أن علم من قبل الشيخ المحبوبي من أصحاب الكتب الستة وغيرهم كان في الصدور ولم يكن في الكتاب ، وهذا باطل ظاهر البطلان ، وقد عرفت في المقدمة أن تدوين الأحاديث وجمعها في الكتاب قد حدث في أواخر عمر التابعين ، قال الحافظ في مقدمة الفتح : إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصره وعصر أصحابه وتبعهم مدونة في الجوامع . إلى أن قال : ثم حدث في أواخر عمر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء بالأمصار وكثر الابتداع اهـ .

                                                                                                          وتنبيه آخر : وقال بعضهم في توجيه الجملة المذكورة : إن قوله فأقر به الشيخ الثقة الأمين يحتمل وجهين أحدهما أن يقال : بأن المراد بالشيخ الثقة الأمين هو أبو العباس الذي تلميذه أبو محمد عبد الجبار ، والمعنى على هذا الوجه : أن القاضي الزاهد أبا عامر أو الشيخ أبا نصر أو الشيخ أبا بكر الذين هم تلامذة أبي محمد عبد الجبار قد سـأل أستاذ أستاذه - أعني أبا العباس - عن أنك أخبرت تلميذك أبا محمد عبد الجبار بهذا الكتاب فأقر به ، أي بالإخبار بهذا الكتاب أبو العباس وأجاب بإقرار الإخبار ، وثانيهما : أن يراد بالشيخ الثقة الأمين أبو محمد عبد الجبار ، ويكون المعنى على هذا أنه سأله أحد تلامذته وهم القاضي الزاهد أبو عامر وأبو نصر وأبو بكر عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس فأقر به أبو محمد عبد الجبار بأخذ هذا الكتاب من شيخه أبي العباس . هذا هو الوجه الثاني ، فعلى كلا الوجهين الضمير في قوله به راجع إلى الإخبار بهذا الكتاب الذي يفهم [ ص: 16 ] ضمنا ، وفاعل قوله أقر المعبر عنه بالشيخ الثقة الأمين إما أبو العباس وإما أبو محمد عبد الجبار . انتهى كلامه .

                                                                                                          قلت : هذا التوجيه أيضا ليس بشيء ، فإن في كلا الوجهين من هذا التوجيه نظرا ، أما الوجه الأول : فلأن مبناه على أن أحدا من تلامذة أبي محمد عبد الجبار المذكورين قد لقي أستاذ أستاذه أعني أبا العباس ، وهذا ادعاء محض ، فلا بد لهذا البعض أن يثبت أولا لقاءه منه ثم بعد ذلك يتوجه إلى هذا الوجه ودونه خرط القتاد . وأما الوجه الثاني : ففيه أن أبا محمد عبد الجبار لما حدث تلامذته المذكورين بلفظ أخبرنا أبو العباس فبعد سماعهم هذا اللفظ منه لا معنى لسؤال أحد تلامذته عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس ، فتفكر .

                                                                                                          تنبيه آخر : قال صاحب ( الطيب الشذي ) في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه : الظاهر أن المراد بالشيخ الثقة أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، فقائل هذا القول هو أبو محمد عبد الجبار الجراحي فالمعنى أن تلامذة أبي العباس لما قرءوا الكتاب على أستاذهم أبي العباس فقال لهم : نعم هذا كنت قرأت عليكم . انتهى كلامه .

                                                                                                          قلت : هذا التوجيه أيضا باطل ظاهر البطلان ، فإن تلامذة أبي العباس إما كانوا قرءوا الكتاب على أستاذهم أبي العباس وكان هو ساكتا مصغيا لقراءتهم أو كان هو القارئ وهم كانوا ساكتين مصغين لقراءته ، فعلى التقدير الأول لا معنى لقوله : فقال لهم : نعم هكذا كنت قرأت عليكم ، وعلى التقدير الثاني لا معنى لقوله لما قرءوا الكتاب فتفكر ثم قال : ويمكن أن يكون المراد من الثقة الأمين هو عبد الجبار ، وقائل قوله فأقر به أيضا عبد الجبار ، فالمعنى أن تلامذة عبد الجبار قالوا له : أخبرك أبو العباس؟ فقال : نعم أخبرني أستاذي أبو العباس . فهذا معنى قوله فأقر به الشيخ الثقة الأمين . انتهى .

                                                                                                          قلت : قد أخذ هذا صاحب الطيب الشذي من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين لبعضهم ، ولكنه قد تخبط في قوله ، وقائل قوله أقر به أيضا عبد الجبار .

                                                                                                          [ ص: 17 ] قوله ( أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ) بفتح السين وسكون الواو ( الترمذي ) بكسر التاء والميم وبضمهما وبفتح التاء وكسر الميم مع الذال المعجمة ، نسبة إلى مدينة قديمة على طرقجيحون : نهر بلخ ، ( الحافظ ) تقدم حد الحافظ في المقدمة ، وتقدم فيها أيضا ترجمة أبي عيسى الترمذي وما يتعلق بكنيته .

                                                                                                          " 1 " قوله : ( أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أبواب جمع باب ، وهو حقيقة لما كان حسيا يدخل منه إلى غيره ، ومجاز لعنوان جملة من المسائل المتناسبة . واعلم أنه قد جرت عادة أكثر المصنفين من الفقهاء أنهم يذكرون مقاصدهم بعنوان الكتاب والباب والفصل ، فالكتاب عندهم عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا أو لم تشمل ، فإن كان تحته أنواع فكل نوع يسمى بالباب ، والأشخاص المندرجة تحت النوع تسمى بالفصول ، وقال السيد نور الدين في فروق اللغات : الكتاب هو الجامع لمسائل متحدة في الجنس مختلفة في النوع ، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في النوع مختلفة في الصنف ، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في الصنف مختلفة في الشخص . انتهى . وهكذا جرت عادة أكثر المحدثين أنهم يذكرون الأحاديث والآثار في كتبهم على طريقة الفقهاء بعنوان الكتاب والباب . لكن الترمذي يذكر مكان الكتاب لفظ الأبواب ، ولفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : أبواب الطهارة وأبواب الصلاة وأبواب الزكاة وهكذا ، ثم يزيد بعد الأبواب مثلا يقول : أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال بعض العلماء في توجه هذه الزيادة ما لفظه : فائدة ذكره - أي ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - هو الإشارة إلى أن الأحاديث الواردة فيها مرفوعات لا موقوفات ، ذلك لأن قبل زمان الترمذي وطبقته كانت العادة أنهم كانوا يخلطون الأحاديث والآثار ، كما يفصح عنه موطأ مالك ومغازي موسى بن عقبة وغيرهما ، ثم جاء البخاري والترمذي وأقرانهما فميزوا الأحاديث المرفوعة عن الآثار . انتهى .

                                                                                                          والمراد [ ص: 18 ] من الطهارة الطهارة من الحدث والخبث ، وأصلها النظافة والنزاهة من كل عيب حسي أو معنوي ، ومنه قوله تعالى إنهم أناس يتطهرون والطهارة لما كانت مفتاح الصلاة التي هي عماد الدين افتتح المؤلفون بها مؤلفاتهم .

                                                                                                          قوله : ( باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور ) بضم الطاء وفتحها .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا قتيبة ) بضم القاف وفتح المثناة الفوقانية ( بن سعيد ) الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ، محدث خراسان ولد سنة 149 تسع وأربعين ومائة ، وسمع من مالك والليث وابن لهيعة وشريك وطبقتهم ، وعنه الجماعة سوى ابن ماجه ، وكان ثقة عالما صاحب حديث ورحلات ، وكان غنيا متمولا ، قال ابن معين : ثقة . وقال النسائي : ثقة مأمون مات سنة 240 أربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة . كذا في تذكرة الحفاظ .

                                                                                                          ( أبو عوانة ) اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز أحد الأعلام روى عن قتادة وابن المنكدر وخلق ، وعنه قتيبة ومسدد وخلائق ، ثقة ثبت مات سنة 176 ست وسبعين ومائة .

                                                                                                          فائدة : قال النووي : جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط ، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها . انتهى . قلت فينبغي للقارئ أن يقرأ هذا السند هكذا : قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : أخبرنا أبو عوانة بذكر لفظ " قال " قبل حدثنا قتيبة وقبل أخبرنا أبو عوانة .

                                                                                                          ( عن سماك ) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم ( بن حرب ) ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي ، صدوق ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة : أحد الأعلام التابعين عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير ثم عن علقمة بن وائل ومصعب بن سعد وغيرهم ، وعنه الأعمش وشعبة وإسرائيل وزائدة وأبو عوانة وخلق ، قال ابن المديني : له نحو مائتي حديث ، وقال أحمد : أصح حديثا من عبد الملك بن عمرو ، وثقه أبو حاتم وابن معين في رواية ابن أبي خيثمة وابن أبي مريم وقال أبو طالب عن أحمد : مضطرب الحديث . قلت عن عكرمة فقط مات سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة . انتهى .

                                                                                                          ( ح ) اعلم أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ح وهي حاء مهملة مفردة ، والمختار أنها مأخوذة من التحول; لتحوله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها ح ويستمر في قراءة ما بعدها ، وقيل : إنها من حال الشيء يحول إذا حجز لكونها حالت بين الإسنادين وأنه لا [ ص: 19 ] يلفظ عند الانتهاء إليها بشيء وليست من الرواية ، وقيل : إنها رمز إلى قوله الحديث ، وإن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها الحديث ، قاله النووي .

                                                                                                          ( قال ونا هناد ) أي قال أبو عيسى الترمذي ، وحدثنا هناد وهو ابن السري بن مصعب الحافظ القدوة الزاهد شيخ الكوفة أبو السري التميمي الدارمي ، روى عن أبي الأحوص سلام وشريك بن عبد الله وإسماعيل بن عياش وطبقتهم ، وعنه الجماعة سوى البخاري وخلق ، سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب بالكوفة قال : عليكم بهناد . قال قتيبة : ما رأيت وكيعا يعظم أحدا تعظيمه هنادا ، ثم يسأله عن الأهل . وقال النسائي : ثقة توفي سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة وما تزوج قط ولا تسرى ، وكان يقال له : راهب الكوفة وله مصنف كبير في الزهد كذا في تذكرة الحفاظ .

                                                                                                          تنبيه : قال صاحب العرف الشذي ما لفظه : ربما تجد في كتب الصحاح وغيرها أنهم يبدءون السند من الأول أي الأعلى بالعنعنة ثم في الأسفل بالإخبار والتحديث; لأن التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين فاحتاج المحدثون إلى التصريح بالسماع . انتهى .

                                                                                                          قلت قوله " التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين " مبني على غفلته عن أسماء الرجال ، فقد كان التدليس في السلف وكان كثير من التابعين وأتباعهم مدلسين ، وهذا أمر جلي عند من طالع كتاب أسماء الرجال والكتب المؤلفة في المدلسين ، ومن التابعين الذين كانوا موصوفين بالتدليس معروفين به : قتادة وأبو الزبير المكي وحميد الطويل وعمرو بن عبد الله السبيعي والزهري والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت الكوفي وابن جريج المكي وسليمان التيمي وسليمان بن مهران الأعمش ومحمد بن عجلان المدني وعبد الملك بن عمير القبطي الكوفي وعطية بن سعيد العوفي وغيرهم ، فهؤلاء كلهم من التابعين موصوفون بالتدليس . فقول هذا القائل : التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين باطل بلا مرية بل الأمر بالعكس ، قال الفاضل اللكنوي في ظفر الأماني ص 213 : قال الحلبي في التبيين : التدليس بعد سنة ثلاثمائة يقل جدا ، قال الحاكم : لا أعرف في المتأخرين يذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي . انتهى .

                                                                                                          تنبيه آخر : وقال هذا القائل : قال شعبة : إن التدليس حرام والمدلس ساقط العدالة ومن ثم قالوا : السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس وإن كان بالعنعنة . انتهى .

                                                                                                          قلت . لم يقل أحد من أئمة الحديث أن السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس ، بل قالوا : إن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم ، صرح به الحافظ في الفتح ، وقال البيهقي في المعرفة : روينا عن شعبة قال : كنت أتفقد فم قتادة فإذا قال : ثنا وسمعت حفظته ، وإذا [ ص: 20 ] قال : حدث فلان تركته ، وقال : روينا عن شعبة أنه قال : كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق وقتادة ، قال الحافظ في كتابه " تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس " بعد ذكر كلام البيهقي هذا ما لفظه : فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ، ولو كانت معنعنة . انتهى . وأما القول بأن السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس فلم يقل بهذا الإطلاق أحد فتفكر .

                                                                                                          ( نا وكيع ) هو ابن الجراح بن مليح الرواسي الكوفي محدث العراق ولد سنة تسع وعشرين ومائة سمع هشام بن عروة والأعمش وابن عون وابن جريج وسفيان وخلائق ، وعنه ابن المبارك مع تقدمه وأحمد وابن المديني ويحيى وإسحاق وزهير وأمم سواهم ، وكان أبوه على بيت المال وأراد الرشيد أن يولي وكيعا قضاء الكوفة فامتنع ، وقال أحمد : ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع توفي سنة 197 سبع وتسعين ومائة يوم عاشوراء ، كذا في تذكرة الحفاظ ، وقال الحافظ في التقريب : ثقة حافظ .

                                                                                                          تنبيه : قال بعض الحنفية : إن وكيع بن الجراح كان يفتي بقول أبي حنيفة ، وكان قد سمع منه شيئا كثيرا . انتهى . وزعم بعضهم أنه كان حنفيا يفتي بقول أبي حنيفة ويقلده ، قلت : القول بأن وكيعا كان حنفيا يقلد أبا حنيفة باطل جدا ، ألا ترى أن الترمذي قال في جامعه هذا في باب إشعار البدن : سمعت يوسف بن عيسى يقول : سمعت وكيعا يقول حين روى هذا الحديث ( يعني حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد النعلين وأشعر الهدي ) فقال : لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في الإشعار فإن الإشعار سنة ، وقولهم بدعة ، وسمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع فقال رجل ممن ينظر في الرأي : أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة : هو مثلة ، قال الرجل : فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثلة . قال فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا وقال : أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : قال : إبراهيم ، ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا . انتهى . فقول وكيع هذا من أوله إلى آخره ينادي بأعلى نداء أنه لم يكن مقلدا لأبي حنيفة ولا لغيره بل كان متبعا للسنة منكرا أشد الإنكار على من يخالف السنة وعلى من يذكر عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر هو قول أحد من الناس مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم ، وأما من قال : إن وكيعا كان يفتي بقول أبي حنيفة فليس مراده أنه كان يفتي بقوله في جميع المسائل ، بل مراده أنه كان يفتي بقوله في بعض المسائل ثم لم يكن إفتاؤه في بعضها تقليدا لأبي حنيفة بل كان اجتهادا منه فوافق قوله قوله فظن أنه كان يفتي بقوله ، والدليل على هذا كله قول وكيع المذكور . ثم الظاهر أن المسألة التي يفتي فيها وكيع بقول أبي حنيفة هي شرب نبيذ الكوفيين ، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمته : ما فيه إلا شربه لنبيذ الكوفيين وملازمته له ، جاء ذلك من غير وجه عنه . انتهى .

                                                                                                          [ ص: 21 ] ( عن إسرائيل ) هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ، قال أحمد : ثبت وقال أبو حاتم : صدوق من أتقن أصحاب إسحاق ، قال الحافظ في التقريب : ثقة تكلم فيه بلا حجة .

                                                                                                          ( عن مصعب بن سعد ) ابن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من أوساط التابعين ، أرسل عن عكرمة بن أبي جهل مات سنة 103 ثلاث ومائة .

                                                                                                          ( عن ابن عمر ) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس اتباعا للأثر مات سنة 73 ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها . كذا في التقريب .

                                                                                                          قوله ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) بضم الطاء والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل ، قال النووي : قال جمهور أهل اللغة : يقال : الطهور والوضوء بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ويقال : الطهور والوضوء بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به . هكذا نقله ابن الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة ، وذهب الخليل والأصمعي وأبو حاتم السجستاني وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما . انتهى . والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء ، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا ، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ، ولهذا كان بعض السلف يقول : لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا . قاله ابن عمر ، قال : لأن الله تعالى قال : إنما يتقبل الله من المتقين كذا في فتح الباري . والحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة ، وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وأجمعت على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة ، والحديث دليل على وجوب الطهارة لصلاة الجنازة أيضا لأنها صلاة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من صلى على الجنازة وقال : صلوا على صاحبكم وقال : صلوا على النجاشي قال الإمام البخاري : سماها صلاة وليس فيها ركوع ولا سجود ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم ، وكان ابن عمر لا يصلي عليها إلا طاهرا . انتهى . قال الحافظ : ونقل ابن عبد البر الاتفاق على اشتراط الطهارة لها يعني لصلاة الجنازة إلا عن الشعبي ، قال : ووافقه إبراهيم بن علية ، ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          [ ص: 22 ] قلت : والحق أن الطهارة شرط في صحة صلاة الجنازة ولا التفات إلى ما نقل عن الشعبي وغيره .

                                                                                                          فائدة : قال البخاري في صحيحه : إذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم . انتهى . قال الحافظ في الفتح : وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزئ لها التيمم لمن خاف فواتها يعني فوات صلاة الجنازة لو تشاغل بالوضوء ، وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري والنخعي وربيعة والليث والكوفيين ، وهي رواية عن أحمد ، وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وإسناده ضعيف . انتهى .

                                                                                                          ( ولا صدقة من غلول ) بضم الغين ، والغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة ، قاله النووي ، وقال القاضي أبو بكر ابن العربي : الغلول الخيانة خفية ، فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طهور في ذلك . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( قال هناد في حديثه إلا بطهور ) أي مكان بغير طهور ، ومقصود الترمذي بهذا إظهار الفرق بين حديث قتيبة وحديث هناد فيقول قتيبة في حديثه لا تقبل صلاة بغير طهور ، وقال هناد في حديثه : لا تقبل صلاة إلا بطهور .

                                                                                                          قوله : ( هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن ) والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى ، ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ " لا صلاة لمن لا طهور له " .

                                                                                                          ( وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس ) أما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظه " لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور " والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " الحديث ، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه بلفظ " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " قال الحافظ في التلخيص : وفي الباب عن والد أبي المليح وأبي هريرة وأنس وأبي بكرة وأبي بكر الصديق والزبير بن العوام وأبي سعيد الخدري وغيرهم . وقد أوضحت طرقه وألفاظه في الكلام على أوائل الترمذي . انتهى .

                                                                                                          قلت : وفي الباب أيضا عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته وسعد بن عمارة ، ذكر حديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد في باب فرض الوضوء مع الكلام عليها فمن شاء الوقوف عليها فليرجع إليه .

                                                                                                          [ ص: 23 ] تنبيهان : الأول : أن قول الترمذي هذا الحديث - يعني حديث ابن عمر - أصح شيء في هذا الباب فيه نظر ، بل أصح شيء في هذا الباب هو حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه ، فإنه متفق عليه .

                                                                                                          الثاني : قد جرت عادة الترمذي في هذا الجامع أنه يقول بعد ذكر أحاديث الأبواب : وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث بعينه بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب ، قال الحافظ العراقي : وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمي من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ، وقد تقدم ما يتعلق به في المقدمة فتذكر .

                                                                                                          قوله ( وأبو المليح ) بفتح الميم وكسر اللام ( بن أسامة اسمه عامر ) قال الحافظ في التقريب : أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي ، اسمه عامر ، وقيل زيد وقيل زياد ، ثقة من الثالثة .




                                                                                                          الخدمات العلمية