الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثامن في إعلام الله - تعالى - خلقه بصلاته عليه ، وولايته له ، ورفعه العذاب بسببه

          قال - تعالى - : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [ الأنفال : 33 ] ، أي ما كنت بمكة ، فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة ، وبقي من المؤمنين نزل : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ الأنفال : 33 ] ، وهذا مثل قوله : لو تزيلوا لعذبنا [ الفتح : 25 ] الآية .

          فلما هاجر المؤمنون نزلت : وما لهم ألا يعذبهم الله [ الأنفال : 34 ] وهذا من أبين ما يظهر مكانته - صلى الله عليه وسلم - ، ودرأته العذاب عن أهل مكة بسبب كونه ثم [ ص: 142 ] كون أصحابه بعده بين أظهرهم فلما خلت مكة منهم عذبهم الله بتسليط المؤمنين عليهم ، وغلبتهم إياهم ، وحكم فيهم سيوفهم ، وأورثهم أرضهم ، وديارهم ، وفي الآية أيضا تأويل آخر .

          حدثنا القاضي الشهيد أبو علي - رحمه الله - بقراءتي عليه ، قال : حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو الحسين ، والصيرفي ، قالا : حدثنا أبو يعلى ابن زوج الحرة ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عباد بن يوسف ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ الأنفال : 33 ] فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار .

          ونحو منه قوله - تعالى - : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ الأنبياء : 107 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا أمان لأصحابي . قيل : من البدع ، وقيل : من الاختلاف ، والفتن .

          قال بعضهم : الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الأمان الأعظم ما عاش ، وما دامت سنته باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء ، والفتن ، وقال الله - تعالى - : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ الأحزاب : 56 ] الآية أبان الله تعالى فضل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بصلاته عليه ، ثم بصلاة ملائكته ، وأمر عباده بالصلاة ، والتسليم عليه ، وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض العلماء تأول قوله - صلى الله عليه وسلم - : وجعلت قرة عيني في الصلاة على هذا ، أي في صلاة الله - تعالى - علي ، وملائكته ، وأمره الأمة بذلك إلى يوم القيامة ، والصلاة من الملائكة [ استغفار ] ، ومنا له دعاء ، ومن الله - عز وجل - رحمة ، وقيل : يصلون : يباركون ، وقد فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - حين علم الصلاة عليه بين لفظ الصلاة ، والبركة ، وسنذكر حكم الصلاة عليه ، وذكر بعض [ ص: 143 ] المتكلمين في تفسير حروف كهيعص [ مريم : 1 ] أن الكاف من [ كاف ] ، أي كفاية الله - تعالى - لنبيه ، قال - تعالى - : أليس الله بكاف عبده [ الزمر : 36 ] الآية ، والهاء هدايته له ، قال : ويهديك صراطا مستقيما [ الفتح : 2 ] هو الذي أيدك بنصره [ الأنفال : 62 ] ، والعين عصمته له قال : والله يعصمك من الناس [ المائدة : 67 ] ، والصاد : صلاته عليه ، قال : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ الأحزاب : 56 ] وقال تعالى : وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه [ التحريم : 4 ] الآية ، مولاه أي ، وليه ، وصالح المؤمنين : قيل : الأنبياء ، وقيل : الملائكة ، وقيل : أبو بكر ، وعمر ، وقيل : علي - رضي الله عنهم - ، وقيل المؤمنين على ظاهره .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية