الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [164] قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

                                                                                                                                                                                                                                      قل أغير الله أبغي ربا فأشركه في عبادته، وهو جواب عن دعائهم له عليه الصلاة والسلام إلى عبادة آلهتهم، وفي إيثار نفي البغية والطلب، على نفي العبادة، أبلغية لا تخفى: وهو رب كل شيء حال في موضع العلة للإنكار والدليل له. أي: وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية، فلا أكون عبدا لعبده.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: أي: فلا أتوكل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه؛ لأنه رب كل شيء ومليكه وله الخلق والأمر. ففي هذه الآية الأمر بإخلاص العبادة والتوكل. كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا. كقوله تعالى مرشدا لعباده أن يقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين وقوله: فاعبده وتوكل عليه [ ص: 2594 ] وقوله: قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا وقوله: رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا وأشباه ذلك من الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: إخبار عن الواقع يوم القيامة من جزاء الله تعالى وحكمه وعدله أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. وهذا من عدله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو السعود: كانوا يقولون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا - فهذا رد له بالمعنى الأول. أي: لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها. ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر، حتى يتأتى ما ذكرتم، وقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى رد له بالمعنى الثاني. أي: لا تحمل يومئذ نفس حاملة، حمل نفس أخرى، حتى يصح قولكم.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي في "الإكليل": هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل أحد، وقد ردت عائشة به على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه. أخرجه البخاري، وأخرج [ ص: 2595 ] ابن أبي حاتم عنها; أنها سئلت عن ولد الزنى؟ فقالت: ليس عليه من خطيئة أبويه شيء. وتلت هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكيا الهراسي: ويحتج بقوله: ولا تكسب كل نفس إلا عليها في عدم [ ص: 2596 ] نفوذ تصرف زيد على عمرو إلا ما قام عليه الدليل. قال ابن الفرس: واحتج به من أنكر ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض الزيدية: قوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى يعني في أمر الآخرة. فيبطل قول: إن أطفال المشركين يعذبون بكفر آبائهم. ويلزم أن لا يعذب الميت ببكاء أهله عليه. حيث لا سبب له. وأما في أمر الدنيا، فقد خص هذا بحديث العاقلة، وكذلك أسر أولاد الكفار ونحو ذلك. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إلى ربكم مرجعكم أي: رجوعكم بعد الموت يوم القيامة: فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون يتميز الحق من الباطل. وهذه الآية كقوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية