الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: ولنبلونكم يعني أهل مكة، لما تقدم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسف حين قحطوا سبع سنين، فقال الله تعالى مجيبا لدعاء نبيه: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع الخوف يعني الفزع في القتال، والجوع يعني المجاعة بالجدب. ونقص من الأموال يحتمل وجهين: [ ص: 210 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: نقصها بالجوائح المتلفة.والثاني: زيادة النفقة في الجدب. والأنفس يعني ونقص الأنفس بالقتل والموت. والثمرات قلة النبات وارتفاع البركات. وبشر الصابرين يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر. والثاني: وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء. والثالث: وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون يعني: إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا: إنا لله: أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا وإنا إليه راجعون يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء. ثم قال تعالى في هؤلاء: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون الصلاة اسم مشترك المعنى فهي من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، كما قال تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        صلى على يحيى وأشياعه رب كريم وشفيع مطاع



                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: أولئك عليهم صلوات من ربهم أي رحمة، وذكر ذلك بلفظ الجمع لأن بعضها يتلو بعضا. ثم قال: ورحمة فأعادها مع اختلافها للفظين لأنه أوكد وأبلغ كما قال: من البينات والهدى وفي قوله تعالى: وأولئك هم المهتدون وجهان محتملان: أحدهما: المهتدون إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن. والثاني: المهتدون إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر. [ ص: 211 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية