الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين

                                                                                                                                                                                                                                        ونادى نوح ربه وأراد نداءه بدليل عطف قوله : فقال رب إن ابني من أهلي فإنه النداء . وإن وعدك الحق وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف ، وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله ، أو فما له لم ينج ، ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه . وأنت أحكم الحاكمين لأنك أعلمهم وأعدلهم ، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع .

                                                                                                                                                                                                                                        قال يا نوح إنه ليس من أهلك لقطع الولاية بين المؤمن والكافر وأشار إليه بقوله : إنه عمل غير صالح فإنه تعليل لنفي كونه من أهله ، وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة :

                                                                                                                                                                                                                                        ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت . . . فإنما هي إقبال وإدبار

                                                                                                                                                                                                                                        ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحا بالمناقضة بين وصفيهما وانتفاء ما أوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه . وقرأ الكسائي ويعقوب إنه عمل غير صالح أي عمل عملا غير صالح . فلا تسألني ما ليس لك به علم ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك ، وإنما سمي نداءه سؤالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه [ ص: 137 ] في شأن ولده أو استفسار المانع للنجاز في حقه ، وإنما سماه جهلا وزجر عنه بقوله : إني أعظك أن تكون من الجاهلين لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال وأغناه عن السؤال ، لكن أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر . وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ، ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع برواية رويس إثباتها في الوصل .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية