الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قدر الإطعام في الظهار وجنسه ومن يجوز له أن يطعم ومن يجوز له أن يأخذ تلك الكفارة

                                                                                                                                                                                        اختلف عن مالك في قدر الإطعام على ثلاثة أقوال، فقال في المدونة: يطعم مدا بمد هشام لكل مسكين. وقال في كتاب ابن حبيب: مدين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن القصار: مدا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن الماجشون: إن غدى وعشى أجزأه وجعله مثل كفارة اليمين بالله تعالى. وهذا مثل ما عند ابن القصار.

                                                                                                                                                                                        واختلف في قدر مد هشام، فقال ابن القاسم في المدونة: هو مدان إلا ثلثا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن حبيب: هو مد وثلث. ذكر البغداديون عن معن بن عيسى أنه مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أوجب الله سبحانه ثلاث كفارات:

                                                                                                                                                                                        كفارة اليمين بالله تعالى وهي مقيدة بقول الله سبحانه: من أوسط ما تطعمون أهليكم [المائدة: 89] ، وفدية الأذى، وهي مقيدة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مدان [ ص: 2349 ] لكل مسكين".

                                                                                                                                                                                        وكفارة الظهار، وهي مطلقة، فردها مرة إلى فدية الأذى؛ لأن الزوجة محرمة لما عقد من الظهار، فلا تباح إلا بما لا شك فيه، وهو أعلى الكفارات، وهي فدية الأذى، وردها مرة إلى كفارة الأيمان؛ لأن الأصل في الذمة البراءة، فلا يلزم إلا ما لا شك فيه، ولم يردها في القول الثالث إلى شيء من هاتين الكفارتين، وراعى أعلى الشبع، ورأى أن يجزئه مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لوجوه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن الأصل براءة الذمة، فلا يلزم إلا ما لا شك فيه.

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا كان اثنان مطلق ومقيد من جنس، رد المطلق إلى المقيد، ورد الظهار إلى كفارة الأيمان أشبه؛ لأنها في معنى اليمين، وفدية الأذى ليست بيمين.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أنه لم يختلف قوله في العتق عن الظهار: إنه لا يجزئ إلا مؤمن لما كان مقيدا في آية القتل، فكذلك الإطعام، ومنها أن ذلك مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أعطى المظاهر عذقا فيه خمسة عشر صاعا، وقال: أطعم ستين مسكينا"، وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي في مسنده. [ ص: 2350 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية