الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6922 [ ص: 143 ] 23 - باب: من رأى ترك النكير من النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة لا من غير الرسول

                                                                                                                                                                                                                              7355 - حدثنا حماد بن حميد، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ مسلم: 2929 - فتح: 13 \ 323 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديثا واحدا: حدثنا حماد بن حميد - ولم يثبت بأكثر من هذا، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وانفرد به وقال فيه صاحب لنا حدثنا هذا الحديث: وكان عبيد الله بن معاذ في الأحياء حينئذ - ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يحلف بالله أن ابن صياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر - رضي الله عنه - يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم ينكره.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              ترك النكير من الشارع حجة وسنة يلزم أمته العمل بها لا خلاف بين العلماء في ذلك ; لأنه - عليه السلام - لا يجوز أن يرى أحدا من أمته يقول قولا أو يفعل فعلا محظورا، فيقره عليه; لأن الله تعالى فرض عليه النهي عن المنكر، وإذا كان ذلك علم أنه لا يرى أحدا عمل شيئا فيقره عليه إلا وهو مباح له، وثبت أن إقراره عمر - رضي الله عنه - على حلفه المذكور إثبات أنه الدجال، وكذلك فهم جابر من يمين عمر - رضي الله عنهما - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 144 ] فإن اعترض بما روي من قول عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعني أضرب عنقه. فقال: "إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن فلا خير لك في قتله". فهذا يدل على شكه - عليه السلام - فيه وترك القطع عليه أنه الدجال.

                                                                                                                                                                                                                              ففيه جوابان: أحدهما: أنه يمكن أن يكون هذا الشك فيه كان متقدما ليمين عمر أنه الدجال ثم أعلمه الله أنه الدجال [ فلذلك ترك إنكار يمينه عليه ] لتيقنه بصحة ما حلف عليه.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: أن الكلام وإن خرج مخرج الشك فقد يجوز أن يراد به التيقن والقطع كقوله: لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر: 65 ]، وقد علم تعالى أن ذلك لا يقع منه، فإنما خرج هذا منه - عليه السلام - على المتعارف عند العرب في تخاطبها كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا أأنت أم أم سالم



                                                                                                                                                                                                                              فأخرج كلامه مخرج الشك لطفا منه بعمر - رضي الله عنه - في صرفه عن عزمه على قتله، وقد ذكر عبد الرزاق [ عن معمر ] عن الزهري عن سالم، عن أبيه قال: لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وهي خارجة مثل عين الجمل فلما رأيتها قلت: أنشدك الله يا ابن صياد متى طفيت عينك؟ قال: لا أدري والرحم. قال: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟! قال: فمسحها ونخر ثلاثا، فزعمت اليهود أني ضربت بيدي على صدره وقلت له: اخسأ فلن تعدو قدرك، فذكرت ذلك لحفصة فقالت: اجتنب هذا الرجل فإنما نتحدث أن [ ص: 145 ] الدجال يخرج عند غضبة يغضبها.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: هذا كله يدل على الشك [ في أمره.

                                                                                                                                                                                                                              قيل: إن وقع الشك ] في أنه الدجال الذي يقتله المسيح، فلم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الذين أنذر بهم الشارع من قوله: "إن بين يدي الساعة دجالين كذابين أزيد من ثلاثين"، فلذلك لم ينكر على عمر - رضي الله عنه - يمينه; لأن الصحابة قد اختلفوا في مسائل منهم من أنكر على مخالفة قوله، ومنهم من سكت عن إنكار ما خالف اجتهاده مذهبه، فلم يكن سكوت من سكت رضا بقول مخالفه، إذ قد يجوز أن يكون الساكت لم يتبين له وجه الصواب في المسألة وأخرها إلى وقت آخر ينظر فيها، وقد يجوز أن يكون سكوته; ليبين خلافها في وقت آخر إذا كان كذلك أصلح في المسألة.

                                                                                                                                                                                                                              فإن اعترض بأن سكوت البكر حجة عليها.

                                                                                                                                                                                                                              قيل: ليس هذا بمفسد لما تقدم; لأن من شرط كون سكوتها حجة تقديم الإعلام لها بذلك فسكوتها بعد الإعلام أنه لازم لها رضا منها وإقرارا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 146 ] وقال ابن التين: لعل هذا في الأشياء التي لا يعرف الساكت أن قوله في هذا باطل; لأنه في مهلة النظر. وقيل: إذا قيل لصاحب قول وانتشر ولم يخالف فيه أنه كالإجماع، وقيل: إذا قال الصاحب قولا لا يحفظ فيه عن مثله خلافه وجب القول به، والأول أقوى سببا، وهذا إذا لم تتبين الحجة في كلامه ولا يخالف نصا، وأبى هذا آخرون وقالوا: إنما إجماعهم أن يقول النفر الكثير القول ويظهر وينتشر ولا نعلم أحدا خالفهم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية