[ ص: 176 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
جملة معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا والمناسبة بين الجملتين : أن كلتيهما تنبيه على مساوي أقوام يضعهم الناس في مقامات الرفعة والسؤدد وليسوا أهلا لذلك ، فمضمون الجملة الأولى بيان مساوي أقوام رفع الناس أقدارهم لعلمهم ودينهم ، وكانوا منطوين على خبائث خفية ، ومضمون الجملة الثانية بيان مساوي أقوام رفعهم الناس لأجل أموالهم ، فبين الله أن تلك الأموال إذا لم تنفق في سبيل الله لا تغني عنهم شيئا من العذاب .
وأما وجه مناسبة نزول هذه الآية في هذه السورة : فذلك أن هذه السورة نزلت إثر غزوة
تبوك ، وكانت غزوة
تبوك في وقت عسرة ، وكانت الحاجة إلى العدة والظهر كثيرة ، كما أشارت إليه آية
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون وقد ورد في السيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، وقد أنفق
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ألف دينار ذهبا على جيش غزوة
تبوك وحمل كثير من أهل الغنى فالذين انكمشوا عن النفقة هم الذين عنتهم الآية بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولا شك أنهم من المنافقين .
والكنز بفتح الكاف مصدر كنز إذا ادخر مالا ، ويطلق على المال من الذهب والفضة الذي يخزن ، من إطلاق المصدر على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .
و سبيل الله هو الجهاد الإسلامي وهو المراد هنا .
فالموصول مراد به قوم معهودون يعرفون أنهم المراد من الوعيد ، ويعرفهم المسلمون فلذلك لم يثبت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أنب قوما بأعيانهم .
[ ص: 177 ] ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34ولا ينفقونها في سبيل الله انتفاء الإنفاق الواجب ، وهو الصدقات الواجبة والنفقات الواجبة : إما وجوبا مستمرا كالزكاة ، وإما وجوبا عارضا كالنفقة في الحج الواجب ، والنفقة في نوائب المسلمين مما يدعو الناس إليه ولاة العدل .
والضمير المؤنث في قوله : " ينفقونها " عائد إلى الذهب والفضة .
والوعيد منوط بالكنز وعدم الإنفاق ، فليس الكنز وحده بمتوعد عليه ، وليست الآية في معرض أحكام ادخار المال ، وفي معرض إيجاب الإنفاق ، ولا هي في تعيين سبل البر والمعروف التي يجب الإخراج لأجلها من المال ، ولا داعي إلى تأويل الكنز بالمال الذي لم تؤد زكاته حين وجوبها ، ولا إلى تأويل الإنفاق بأداء الزكاة الواجبة ، ولا إلى تأويل سبيل الله بالصدقات الواجبة ; لأنه ليس المراد باسم الموصول العموم بل أريد به العهد ، فلا حاجة إلى ادعاء أنها نسختها آية وجوب الزكاة ، فإن وجوب الزكاة سابق على وقت نزول هذه الآية .
ووقع في الموطأ أن
عبد الله بن عمر سئل عن الكنز ، أي المذموم المتوعد عليه في آية
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ما هو فقال : هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة . وفي الحديث الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341900من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك فتأويله أن ذلك بعض ماله وبعض كنزه ، أي فهو بعض الكنز المذموم في الكتاب والسنة وليس كل كنز مذموما .
وشذ
أبو ذر فحمل الآية على عموم الكانزين في جميع أحوال الكنز ، وعلى عموم الإنفاق ، وحمل سبيل الله على وجوه البر ، فقال بتحريم كنز المال ، وكأنه تأول ولا ينفقونها على معنى ما يسمى عطف التفسير ، أي على معنى العطف لمجرد القرن بين اللفظين ، فكان
أبو ذر بالشام ينهى الناس على الكنز ويقول : بشر الكانزين بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فقال له
معاوية ، وهو أمير
الشام ، في خلافة
عثمان : إنما نزلت الآية في أهل الكتاب ، فقال
أبو ذر : نزلت فيهم وفينا ، واشتد قول
أبي ذر على الناس ورأوه قولا لم يقله أحد في زمن رسول الله - صلى الله
[ ص: 178 ] عليه وسلم - وصاحبيه فشكاه
معاوية إلى
عثمان ، فاستجلبه من
الشام وخشي
أبو ذر الفتنة في
المدينة فاعتزلها وسكن
الربذة وثبت على رأيه وقوله .
والفاء في قوله : " فبشرهم " داخلة على خبر الموصول ، لتنزيل الموصول منزلة الشرط ، لما فيه من الإيماء إلى تعليل الصلة في الخبر ، فضمير الجمع عائد إلى الذين ويجوز كون الضمير عائدا إلى الأحبار والرهبان والذين يكنزون . والفاء للفصيحة بأن يكون بعد أن ذكر آكلي الأموال الصادين عن سبيل الله وذكر الكانزين ، أمر رسوله بأن ينذر جميعهم بالعذاب ، فدلت الفاء على شرط محذوف تقديره : إذا علمت أحوالهم هذه فبشرهم والتبشير مستعار للوعيد على طريقة التهكم .
[ ص: 176 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ : أَنَّ كِلْتَيْهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَسَاوِي أَقْوَامٍ يَضَعُهُمُ النَّاسُ فِي مَقَامَاتِ الرِّفْعَةِ وَالسُّؤْدُدِ وَلَيْسُوا أَهْلًا لِذَلِكَ ، فَمَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى بَيَانُ مَسَاوِي أَقْوَامٍ رَفَعَ النَّاسُ أَقْدَارَهُمْ لِعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ ، وَكَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى خَبَائِثَ خَفِيَّةٍ ، وَمَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بَيَانُ مَسَاوِي أَقْوَامٍ رَفَعَهُمُ النَّاسُ لِأَجْلِ أَمْوَالِهِمْ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ إِذَا لَمْ تُنْفَقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ .
وَأَمَّا وَجْهُ مُنَاسَبَةِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : فَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ إِثْرَ غَزْوَةِ
تَبُوكٍ ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ
تَبُوكٍ فِي وَقْتِ عُسْرَةٍ ، وَكَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْعُدَّةِ وَالظَّهْرِ كَثِيرَةً ، كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ آيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ وَقَدْ وَرَدَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَقَدْ أَنْفَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَلْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا عَلَى جَيْشِ غَزْوَةِ
تَبُوكٍ وَحَمَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى فَالَّذِينَ انْكَمَشُوا عَنِ النَّفَقَةِ هُمُ الَّذِينَ عَنَتْهُمُ الْآيَةُ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .
وَالْكَنْزُ بِفَتْحِ الْكَافِ مَصْدَرُ كَنَزَ إِذَا ادَّخَرَ مَالًا ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي يُخَزَّنُ ، مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ .
وَ سَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْجِهَادُ الْإِسْلَامِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا .
فَالْمَوْصُولُ مُرَادٌ بِهِ قَوْمٌ مَعْهُودُونَ يَعْرِفُونَ أَنَّهُمُ الْمُرَادُ مِنَ الْوَعِيدِ ، وَيَعْرِفُهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّبَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ .
[ ص: 177 ] وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتِفَاءُ الْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ ، وَهُوَ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَالنَّفَقَاتُ الْوَاجِبَةُ : إِمَّا وُجُوبًا مُسْتَمِرًّا كَالزَّكَاةِ ، وَإِمَّا وُجُوبًا عَارِضًا كَالنَّفَقَةِ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ ، وَالنَّفَقَةِ فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ وُلَاةُ الْعَدْلِ .
وَالضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ فِي قَوْلِهِ : " يُنْفِقُونَهَا " عَائِدٌ إِلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
وَالْوَعِيدُ مَنُوطٌ بِالْكَنْزِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ ، فَلَيْسَ الْكَنْزُ وَحْدَهُ بِمُتَوَعَّدٍ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَتِ الْآيَةُ فِي مَعْرِضِ أَحْكَامِ ادِّخَارِ الْمَالِ ، وَفِي مَعْرِضِ إِيجَابِ الْإِنْفَاقِ ، وَلَا هِيَ فِي تَعْيِينِ سُبُلِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ الَّتِي يَجِبُ الْإِخْرَاجُ لِأَجْلِهَا مِنَ الْمَالِ ، وَلَا دَاعِيَ إِلَى تَأْوِيلِ الْكَنْزِ بِالْمَالِ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ حِينَ وُجُوبِهَا ، وَلَا إِلَى تَأْوِيلِ الْإِنْفَاقِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ ، وَلَا إِلَى تَأْوِيلِ سَبِيلِ اللَّهِ بِالصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ الْعُمُومَ بَلْ أُرِيدَ بِهِ الْعَهْدُ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى ادِّعَاءِ أَنَّهَا نَسَخَتْهَا آيَةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سَابِقٌ عَلَى وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ .
وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْكَنْزِ ، أَيِ الْمَذْمُومِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَيْهِ فِي آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْآيَةَ مَا هُوَ فَقَالَ : هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341900مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ مَالِهِ وَبَعْضُ كَنْزِهِ ، أَيْ فَهُوَ بَعْضُ الْكَنْزِ الْمَذْمُومِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَيْسَ كُلُّ كَنْزٍ مَذْمُومًا .
وَشَذَّ
أَبُو ذَرٍّ فَحَمَلَ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِ الْكَانِزِينَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْكَنْزِ ، وَعَلَى عُمُومِ الْإِنْفَاقِ ، وَحَمَلَ سَبِيلَ اللَّهِ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ ، فَقَالَ بِتَحْرِيمِ كَنْزِ الْمَالِ ، وَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا عَلَى مَعْنَى مَا يُسَمَّى عَطْفُ التَّفْسِيرِ ، أَيْ عَلَى مَعْنَى الْعَطْفِ لِمُجَرَّدِ الْقَرْنِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ، فَكَانَ
أَبُو ذَرٍّ بِالشَّامِ يَنْهَى النَّاسَ عَلَى الْكَنْزِ وَيَقُولُ : بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِمَكَاوٍ مِنْ نَارٍ تُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجَنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ، فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ ، وَهُوَ أَمِيرُ
الشَّامِ ، فِي خِلَافَةِ
عُثْمَانَ : إِنَّمَا نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالَ
أَبُو ذَرٍّ : نَزَلَتْ فِيهِمْ وَفِينَا ، وَاشْتَدَّ قَوْلُ
أَبِي ذَرٍّ عَلَى النَّاسِ وَرَأَوْهُ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 178 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَشَكَاهُ
مُعَاوِيَةُ إِلَى
عُثْمَانَ ، فَاسْتَجْلَبَهُ مِنَ
الشَّامِ وَخَشِيَ
أَبُو ذَرٍّ الْفِتْنَةَ فِي
الْمَدِينَةِ فَاعْتَزَلَهَا وَسَكَنَ
الرَّبْذَةَ وَثَبَتَ عَلَى رَأْيِهِ وَقَوْلِهِ .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : " فَبَشِّرْهُمْ " دَاخِلَةٌ عَلَى خَبَرِ الْمَوْصُولِ ، لِتَنْزِيلِ الْمَوْصُولِ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الصِّلَةِ فِي الْخَبَرِ ، فَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ وَيَجُوزُ كَوْنُ الضَّمِيرِ عَائِدًا إِلَى الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ . وَالْفَاءُ لِلْفَصِيحَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ آكِلِي الْأَمْوَالِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَذَكَرَ الْكَانِزِينَ ، أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يُنْذِرَ جَمِيعَهُمْ بِالْعَذَابِ ، فَدَلَّتِ الْفَاءُ عَلَى شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : إِذَا عَلِمْتَ أَحْوَالَهُمْ هَذِهِ فَبِشِّرْهُمْ وَالتَّبْشِيرُ مُسْتَعَارٌ لِلْوَعِيدِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ .