الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تحويل الإمام والناس أرديتهم في الدعاء وصفته ووقته

                                                                                                                                            1356 - ( عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة قال : ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن وتحول الناس معه } رواه أحمد وفي رواية : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي فحول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ، ثم دعا الله عز وجل } . رواه أبو داود وفي رواية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة له سوداء ، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها ، فثقلت عليه ، فقلبها الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن } رواه أحمد وأبو داود ) . .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عبد الله بن زيد أصله في الصحيح وله ألفاظ : منها هذه الروايات التي أوردها [ ص: 16 ] المصنف ومنها ألفاظ أخر ، وقد سبق بعضها في باب صفة صلاة الاستسقاء ، ورجال أبي داود رجال الصحيح قوله : ( ثم تحول إلى القبلة ) في لفظ للبخاري " ثم حول إلى الناس ظهره " فيه استحباب استقبال القبلة حال تحويل الرداء ، وقد سبق بيان الحكمة في ذلك ومحل هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة وإرادة الدعاء كما في الفتح قوله : ( وحول رداءه ) ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع ، وطول إزاره أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر . انتهى .

                                                                                                                                            وقد اختلفت الروايات ففي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم حول رداءه ، وفي بعضها أنه قلبه ، وفسر التحويل في هذه الرواية بالقلب فدل ذلك على أنهما بمعنى واحد كما قال الزين بن المنير واختلف في حكمة التحويل ; فجزم المهلب أنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال : وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له : حول رداءك لتحول حالك قال الحافظ : وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل ، والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات ، أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر ، ورجح الدارقطني إرساله ، وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال بعضهم : إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال ، وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق ، فالحمل على المعنى الأول أولى ، فإن الاتباع أولى من تركه برد احتمال الخصوص انتهى وقد اختلف في صفة التحويل ، فقال الشافعي ومالك : هو جعل الأسفل أعلى مع التحويل . وروى القرطبي عن الشافعي أنه اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله ، والذي في الأم هو الأول وذهب الجمهور إلى استحباب التحويل فقط .

                                                                                                                                            واستدل الشافعي ومالك بهمه صلى الله عليه وسلم بقلب الخميصة ; لأنه لم يدع ذلك إلا لثقلها كما في الرواية المذكورة في الباب قال في الفتح : ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط انتهى وذلك ; لأنه اختار الجمع بين التحويل والتنكيس كما تقدم ، وإذا كان مذهبه ما رواه عنه القرطبي فليس بأحوط . واستدل الجمهور بقوله في رواية حديث الباب : " فجعل عطافه الأيمن . . . إلخ " وبقوله : " فقلبها الأيمن على الأيسر . . . إلخ " قال الغزالي في صفة التحويل : أو يجعل الباطن ظاهرا ، وهو ظاهر قوله : " فقلبه ظهرا لبطن " أي جعل ظاهره باطنا وباطنه ظاهرا وقال أبو حنيفة وبعض المالكية : إنه لا يستحب شيء من ذلك ، وخالفهم الجمهور . قوله : ( وتحول الناس معه ) هكذا رواه المصنف رحمه الله تعالى ، ورواه غيره بلفظ " وحول " وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب تحويل الناس بتحويل الإمام .

                                                                                                                                            وقال الليث وأبو يوسف : يحول الإمام وحده ، وظاهر قوله : " ويحول الناس " أنه يستحب ذلك [ ص: 17 ] للنساء وقال ابن الماجشون : لا يستحب في حقهن قوله : ( وعليه خميصة ) قال في القاموس : الخميصة : كساء أسود مربع له علمان انتهى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية