nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
هذا ابتداء خطاب للمؤمنين للتحريض على الجهاد في سبيل الله ، بطريقة العتاب على التباطئ بإجابة دعوة النفير إلى الجهاد ، والمقصود بذلك غزوة تبوك . قال
ابن [ ص: 196 ] عطية : " لا اختلاف بين العلماء في أن هذه الآية نزلت عتابا على تخلف من تخلف عن
nindex.php?page=treesubj&link=30872غزوة تبوك ، إذ تخلف عنها قبائل ورجال من المؤمنين ، والمنافقون " فالكلام متصل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=35فذوقوا ما كنتم تكنزون كما أشرنا إليه في تفسير تلك الآيات . وهو خطاب للذين حصل منهم التثاقل ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استنفر المسلمين إلى تلك الغزوة ، وكان ذلك في وقت حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا ، حين نضجت الثمار ، وطابت الظلال ، وكان المسلمون يومئذ في شدة حاجة إلى الظهر والعدة . فلذلك سميت غزوة العسرة كما سيأتي في هذه السورة ، فجلى رسول الله للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، وأخبرهم بوجهه الذي يريد ، وكان قبل ذلك لا يريد غزوة إلا ورى بما يوهم مكانا غير المكان المقصود ، فحصل لبعض المسلمين تثاقل ، ومن بعضهم تخلف ، فوجه الله إليهم هذا الملام المعقب بالوعيد .
فإن نحن جرينا على أن نزول السورة كان دفعة واحدة ، وأنه بعد غزوة تبوك ، كما هو الأرجح ، وهو قول جمهور المفسرين ، كان محمل هذه الآية أنها عتاب على ما مضى وكانت إذا مستعملة ظرفا للماضي ، على خلاف غالب استعمالها ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=11وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد الآية ، فإن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله صالح لإفادة ذلك ، وتحذير من العودة إليه ; لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انفروا خفافا مراد به ما يستقبل حين يدعون إلى غزوة أخرى ، وسنبين ذلك مفصلا في مواضعه من الآيات .
وإن جرينا على ما عزاه
ابن عطية إلى
النقاش : أن قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض هي أول آية نزلت من سورة براءة ، كانت الآية عتابا على تكاسل وتثاقل ظهرا على بعض الناس ، فكانت إذا ظرفا للمستقبل ، على ما هو الغالب فيها ، وكان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما تحذيرا من ترك الخروج إلى غزوة تبوك ، وهذا كله بعيد مما ثبت في السيرة وما ترجح في نزول هذه السورة .
[ ص: 197 ] و " ما " في قوله : " ما لكم " اسم استفهام إنكاري ، والمعنى : أي شيء ، و " لكم " خبر عن الاستفهام أي : أي شيء ثبت لكم .
و إذا ظرف تعلق بمعنى الاستفهام الإنكاري على معنى : أن الإنكار حاصل في ذلك الزمان الذي قيل لهم فيه : انفروا ، وليس مضمنا معنى الشرط لأنه ظرف مضي .
وجملة اثاقلتم في موضع الحال من ضمير الجماعة ، وتلك الحالة هي محل الإنكار ، أي : ما لكم متثاقلين . يقال : مالك فعلت كذا ، ومالك تفعل كذا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=25ما لكم لا تناصرون ، ومالك فاعلا ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88فما لكم في المنافقين فئتين
والنفر : الخروج السريع من موضع إلى غيره لأمر يحدث ، وأكثر ما يطلق على الخروج إلى الحرب ، ومصدره حينئذ النفير .
وسبيل الله : الجهاد ، سمي بذلك لأنه كالطريق الموصل إلى الله ، أي إلى رضاه و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم أصله تثاقلتم قلبت التاء المثناة ثاء مثلثة لتقارب مخرجيهما طلبا للإدغام ، واجتلبت همزة الوصل لإمكان تسكين الحرف الأول من الكلمة عند إدغامه .
والتثاقل تكلف الثقل ، أي إظهار أنه ثقيل لا يستطيع النهوض .
والثقل حالة في الجسم تقتضي شدة تطلبه للنزول إلى أسفل ، وعسر انتقاله ، وهو مستعمل هنا في البطء مجازا مرسلا ، وفيه تعريض بأن بطأهم ليس عن عجز ، ولكنه عن تعلق بالإقامة في بلادهم وأموالهم .
وعدي التثاقل بـ إلى لأنه ضمن معنى الميل والإخلاد ، كأنه تثاقل يطلب فاعله الوصول إلى الأرض للقعود والسكون بها .
والأرض ما يمشي عليه الناس .
ومجموع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم إلى الأرض تمثيل لحال الكارهين للغزو المتطلبين للعذر عن الجهاد كسلا وجبنا بحال من يطلب منه النهوض والخروج ، فيقابل
[ ص: 198 ] ذلك الطلب بالالتصاق بالأرض ، والتمكن من القعود ، فيأبى النهوض فضلا عن السير .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إلى الأرض كلام موجه بديع : لأن تباطؤهم عن الغزو ، وتطلبهم العذر ، كان أعظم بواعثه رغبتهم البقاء في حوائطهم وثمارهم ، حتى جعل بعض المفسرين معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم إلى الأرض : ملتم إلى أرضكم ودياركم .
والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أرضيتم بالحياة الدنيا إنكاري توبيخي ، إذ لا يليق ذلك بالمؤمنين .
و من في
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38من الآخرة للبدل : أي كيف ترضون بالحياة الدنيا بدلا عن الآخرة . ومثل ذلك لا يرضى به والمراد بالحياة الدنيا ، وبالآخرة : منافعهما ، فإنهم لما حاولوا التخلف عن الجهاد قد آثروا الراحة في الدنيا على الثواب الحاصل للمجاهدين في الآخرة .
واختير فعل رضيتم دون نحو آثرتم أو فضلتم : مبالغة في الإنكار ; لأن فعل ( رضي بكذا ) يدل على انشراح النفس ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق في حديث الغار " فشرب حتى رضيت " .
والمتاع : اسم مصدر تمتع ، فهو الالتذاذ والتنعم ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33متاعا لكم ولأنعامكم ووصفه بـ " قليل " بمعنى ضعيف ودنيء . استعير القليل للتافه .
ويحتمل أن يكون المتاع هنا مرادا به الشيء المتمتع به ، من إطلاق المصدر على المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق فالإخبار عنه بالقليل حقيقة .
وحرف " في " من قوله : " في الآخرة " دال على معنى المقايسة ، وقد جعلوا المقايسة من معاني ( في ) كما في التسهيل والمغني ، واستشهدوا بهذه الآية أخذا من الكشاف ولم يتكلم على هذا المعنى شارحوهما ولا شارحو الكشاف ، وقد تكرر نظيره في القرآن كقوله في سورة الرعد
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=10341905ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع وهو في التحقيق ( من ) الظرفية المجازية : أي متاع الحياة الدنيا إذا أقحم في خيرات الآخرة كان قليلا بالنسبة إلى كثرة خيرات الآخرة ، فلزم أنه ما ظهرت قلته إلا عندما قيس بخيرات عظيمة ونسب إليها ، فالتحقيق أن المقايسة معنى حاصل لاستعمال حرف الظرفية ، وليس معنى موضوعا له حرف ( في )
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
هَذَا ابْتِدَاءُ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، بِطَرِيقَةِ الْعِتَابِ عَلَى التَّبَاطُئِ بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ النَّفِيرِ إِلَى الْجِهَادِ ، وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ غَزْوَةُ تَبُوكَ . قَالَ
ابْنُ [ ص: 196 ] عَطِيَّةَ : " لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عِتَابًا عَلَى تَخَلُّفِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30872غَزْوَةِ تَبُوكَ ، إِذْ تَخَلَّفَ عَنْهَا قَبَائِلُ وَرِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُنَافِقُونَ " فَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً وَبِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=35فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَاتِ . وَهُوَ خِطَابٌ لِلَّذِينَ حَصَلَ مِنْهُمُ التَّثَاقُلُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْفَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى تِلْكَ الْغَزْوَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ حَرٍّ شَدِيدٍ ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا ، حِينَ نَضِجَتِ الثِّمَارُ ، وَطَابَتِ الظِّلَالُ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فِي شِدَّةِ حَاجَةٍ إِلَى الظَّهْرِ وَالْعُدَّةِ . فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَجَلَّى رَسُولُ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِمَا يُوهِمُ مَكَانًا غَيْرَ الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ ، فَحَصَلَ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ تَثَاقُلٌ ، وَمِنْ بَعْضِهِمْ تَخْلُفٌ ، فَوَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هَذَا الْمَلَامَ الْمُعَقَّبَ بِالْوَعِيدِ .
فَإِنْ نَحْنُ جَرَيْنَا عَلَى أَنَّ نُزُولَ السُّورَةِ كَانَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَأَنَّهُ بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، كَمَا هُوَ الْأَرْجَحُ ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ ، كَانَ مَحْمَلُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا عِتَابٌ عَلَى مَا مَضَى وَكَانَتْ إِذَا مُسْتَعْمَلَةً ظَرْفًا لِلْمَاضِي ، عَلَى خِلَافِ غَالِبِ اسْتِعْمَالِهَا ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=11وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ الْآيَةَ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَالِحٌ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ ، وَتَحْذِيرٌ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انْفِرُوا خِفَافًا مُرَادٌ بِهِ مَا يُسْتَقْبَلُ حِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى غَزْوَةٍ أُخْرَى ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الْآيَاتِ .
وَإِنْ جَرْيَنَا عَلَى مَا عَزَاهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى
النِّقَاشِ : أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ ، كَانَتِ الْآيَةُ عِتَابًا عَلَى تَكَاسُلٍ وَتَثَاقَلٍ ظَهَرَا عَلَى بَعْضِ النَّاسِ ، فَكَانَتْ إِذَا ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ ، عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِيهَا ، وَكَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا تَحْذِيرًا مِنْ تَرْكِ الْخُرُوجِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ مِمَّا ثَبَتَ فِي السِّيرَةِ وَمَا تَرَجَّحَ فِي نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ .
[ ص: 197 ] وَ " مَا " فِي قَوْلِهِ : " مَا لَكُمُ " اسْمُ اسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ ، وَالْمَعْنَى : أَيُّ شَيْءٍ ، وَ " لَكُمْ " خَبَرٌ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ : أَيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لَكُمْ .
وَ إِذَا ظَرْفٌ تَعَلَّقَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ عَلَى مَعْنَى : أَنَّ الْإِنْكَارَ حَاصِلٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ : انْفِرُوا ، وَلَيْسَ مُضَمَّنًا مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ظَرْفُ مُضِيٍّ .
وَجُمْلَةُ اثَّاقَلْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ ، وَتِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ ، أَيْ : مَا لَكُمْ مُتَثَاقِلِينَ . يُقَالُ : مَالَكَ فَعَلْتَ كَذَا ، وَمَالَكَ تَفْعَلُ كَذَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=25مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ، وَمَالَكَ فَاعِلًا ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ
وَالنَّفْرُ : الْخُرُوجُ السَّرِيعُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْحَرْبِ ، وَمَصْدَرُهُ حِينَئِذٍ النَّفِيرُ .
وَسَبِيلُ اللَّهِ : الْجِهَادُ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى اللَّهِ ، أَيْ إِلَى رِضَاهُ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ أَصْلُهُ تَثَاقَلْتُمْ قُلِبَتِ التَّاءُ الْمُثَنَّاةُ ثَاءً مُثَلَّثَةً لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا طَلَبًا لِلْإِدْغَامِ ، وَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِإِمْكَانِ تَسْكِينِ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الْكَلِمَةِ عِنْدَ إِدْغَامِهِ .
وَالتَّثَاقُلُ تَكَلُّفُ الثِّقَلِ ، أَيْ إِظْهَارُ أَنَّهُ ثَقِيلٌ لَا يَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ .
وَالثِّقَلُ حَالَةٌ فِي الْجِسْمِ تَقْتَضِي شِدَّةَ تَطَلُّبِهِ لِلنُّزُولِ إِلَى أَسْفَلَ ، وَعُسْرَ انْتِقَالِهِ ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الْبُطْءِ مَجَازًا مُرْسَلًا ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ بُطْأَهُمْ لَيْسَ عَنْ عَجْزٍ ، وَلَكِنَّهُ عَنْ تَعَلُّقٍ بِالْإِقَامَةِ فِي بِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ .
وَعُدِّيَ التَّثَاقُلُ بِـ إِلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمَيْلِ وَالْإِخْلَادِ ، كَأَنَّهُ تَثَاقُلٌ يَطْلُبُ فَاعِلُهُ الْوُصُولَ إِلَى الْأَرْضِ لِلْقُعُودِ وَالسُّكُونِ بِهَا .
وَالْأَرْضُ مَا يَمْشِي عَلَيْهِ النَّاسُ .
وَمَجْمُوعُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْكَارِهِينَ لِلْغَزْوِ الْمُتَطَلِّبِينَ لِلْعُذْرِ عَنِ الْجِهَادِ كَسَلًا وَجُبْنًا بِحَالِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ النُّهُوضُ وَالْخُرُوجُ ، فَيُقَابِلُ
[ ص: 198 ] ذَلِكَ الطَّلَبَ بِالِالْتِصَاقِ بِالْأَرْضِ ، وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْقُعُودِ ، فَيَأْبَى النُّهُوضَ فَضْلًا عَنِ السَّيْرِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إِلَى الْأَرْضِ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ بَدِيعٌ : لِأَنَّ تَبَاطُؤَهُمْ عَنِ الْغَزْوِ ، وَتَطَلُّبَهُمُ الْعُذْرَ ، كَانَ أَعْظَمُ بَوَاعِثِهِ رَغْبَتَهُمُ الْبَقَاءَ فِي حَوَائِطِهِمْ وَثِمَارِهِمْ ، حَتَّى جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ : مِلْتُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ وَدِيَارِكُمْ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِنْكَارِيٌ تَوْبِيخِيٌ ، إِذْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ .
وَ مَنْ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38مِنَ الْآخِرَةِ لِلْبَدَلِ : أَيْ كَيْفَ تَرْضَوْنَ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَدَلًا عَنِ الْآخِرَةِ . وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُرْضَى بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَبِالْآخِرَةِ : مَنَافِعُهُمَا ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا حَاوَلُوا التَّخَلُّفَ عَنِ الْجِهَادِ قَدْ آثَرُوا الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الثَّوَابِ الْحَاصِلِ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي الْآخِرَةِ .
وَاخْتِيرَ فِعْلُ رَضِيتُمْ دُونَ نَحْوِ آثَرْتُمْ أَوْ فَضَّلْتُمْ : مُبَالَغَةً فِي الْإِنْكَارِ ; لِأَنَّ فِعْلَ ( رَضِيَ بِكَذَا ) يَدُلُّ عَلَى انْشِرَاحِ النَّفْسِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي حَدِيثِ الْغَارِ " فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ " .
وَالْمَتَاعُ : اسْمُ مَصْدَرِ تَمَتَّعَ ، فَهُوَ الِالْتِذَاذُ وَالتَّنَعُّمُ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ وَوَصْفُهُ بِـ " قَلِيلٍ " بِمَعْنَى ضَعِيفٍ وَدَنِيءٍ . اسْتُعِيرَ الْقَلِيلُ لِلتَّافِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ هُنَا مُرَادًا بِهِ الشَّيْءُ الْمُتَمَتَّعُ بِهِ ، مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ ، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْقَلِيلِ حَقِيقَةٌ .
وَحَرْفُ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ : " فِي الْآخِرَةِ " دَالٌّ عَلَى مَعْنَى الْمُقَايَسَةِ ، وَقَدْ جَعَلُوا الْمُقَايَسَةَ مِنْ مَعَانِي ( فِي ) كَمَا فِي التَّسْهِيلِ وَالْمُغْنِي ، وَاسْتَشْهَدُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَخْذًا مِنَ الْكَشَّافِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى شَارِحُوهُمَا وَلَا شَارِحُو الْكَشَّافِ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ
مُسْلِمٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341905مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَثَلِ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ ( مِنْ ) الظَّرْفِيَّةُ الْمَجَازِيَّةُ : أَيْ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِذَا أُقْحِمَ فِي خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَةِ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ ، فَلَزِمَ أَنَّهُ مَا ظَهَرَتْ قِلَّتُهُ إِلَّا عِنْدَمَا قِيسَ بِخَيْرَاتٍ عَظِيمَةٍ وَنُسِبَ إِلَيْهَا ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُقَايَسَةَ مَعْنًى حَاصِلٌ لِاسْتِعْمَالِ حَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ ، وَلَيْسَ مَعْنًى مَوْضُوعًا لَهُ حَرْفُ ( فِي )