الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الرجعة، وبماذا تصح؟

                                                                                                                                                                                        الطلاق الرجعي: ما أوقع بعد الدخول، ولم يكن معه فداء، ولم يستكمل في عدده الثلاث إن كان الزوج حرا، أو الاثنين إن كان عبدا، فإن انخرم أحد هذه الشروط الثلاثة لم يكن رجعيا، والرجعة تصح مع بقاء العدة بأربع: بالنية والقول: راجعتك، أو ما يقوم مقامه، وبالنية والفعل، الوطء أو ما يكون من دواعيه، كالقبلة والمباشرة والملامسة، وأن تكون النية مقارنة للقول أو الفعل، فإن انفردت النية ولم يكن معها قول ولا فعل، أو عري القول أو الفعل من النية، كانت مسألة خلاف، فيختلف في الرجعة بالنية من غير نطق، قياسا على الطلاق وعقد اليمين بالنية من غير نطق. وقد اختلف قول مالك في ذلك، وقول محمد: ألا تصح رجعة بالنية، فمبني على القول بمنع وقوع الطلاق بالنية.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القول والفعل بغير نية، فقال أشهب في كتاب محمد: ليستا برجعة، وفرق في المدونة بين الوطء والقول، فأسقط ذلك في الوطء إذا كان بغير نية، وألزمه في القول إذا قال راجعتك، ثم قال: كنت لاعبا. ولا بينة على قوله: راجعتك، فهي رجعة، وهذا مبني على أحد قولي مالك أن هزل النكاح كجده، وعلى رواية علي بن زياد عنه أن النكاح لا يلزم، لا تصح [ ص: 2499 ] رجعته، وكذلك إذا خرج ذلك القول على سبق اللسان بغير نية، فهو على الخلاف في الطلاق بمجرد اللفظ بغير نية. وجعل الليث وابن وهب الوطء بغير نية رجعة، والقول أن لا رجعة في الوجهين جميعا أحسن، ولا عمل ولا قول إلا بنية.

                                                                                                                                                                                        وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية، ثم أصاب بعد ذلك بغير نية، لم تصح الرجعة أيضا إذا بعد ما بين النية والفعل أو القول، إلا أن يحدث نية عند الإصابة. وقال محمد: إن نوى الرجعة ثم قبل أو باشر أو ضم، فإن فعل ذلك لمكان ما نوى، فهي رجعة. يريد ذلك أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية، وقد اختلف في النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل أم لا، وإن قال: كنت راجعتك أمس. صدق إن كانت في العدة، وإن خرجت من العدة لم يصدق.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: وإن قال لها وهي في العدة: إذا كان غدا فقد راجعتك، لم تكن له رجعة، وقوله هذا محتمل أن يكون رأى أن الرجعة إلى أجل كالنكاح إلى أجل، أو أن الرجعة تفتقر إلى نية مقارنة للفعل، وقد قدم هذا النية اليوم لما ينعقد غدا. والوجه الأول أبين; لأن الطلاق وإن كان يفتقر إلى نية فقد أجمعوا فيمن قال: أنت طالق إن دخلت الدار، فدخلت بعد سنة من قوله، لزم [ ص: 2500 ] الطلاق، وإذا كانت هذه رجعة فاسدة على قوله، ثم لم يحدث رجعة ولا أصاب حتى خرجت من العدة، بانت. وإن أصاب في العدة وهو يرى أن تلك الرجعة، كان وطؤه رجعة; لأنه وإن كان الارتجاع الأول فاسدا، فإن حقه في الرجعة قائم، وإصابته وهو يرى أنه مرتجع رجعة محدثة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية