الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون وفي هذا تأكيد أنه من عند الله تعالى، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبدله من تلقاء نفسه وإنما الذي يبدله هو الله تعالى كقوله: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به مفعول المشيئة محذوف دل عليه ما بعده - أي: لو شاء الله تعالى ألا أتلوه ما تلوته، وذكر قوله تعالى: (عليكم) للإشارة إلى أنهم المقصودون بالتلاوة ليدركوا مغزاها وما فيها من إعجاز وتكليف، ثم قال تعالى: ولا أدراكم أدراكم أفعل من (درى) بمعنى علم، أي: ولا أعلمكم به، ولكنه اختار تلك الحجة لكم لبلاغة كلامها الذي يبقى مسجلا تتلقاه الأجيال جيلا بعد جيل إلى يوم الدين، فالمعجزات الحسية واقعات تنتهي بانتهاء زمانها، أما هذا الكتاب فباق إلى يوم القيامة، لأنه معجزة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول: " ما من نبي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر وإن ما أوتيته وحيا أوحي إلي وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

                                                          ولا أدراكم قرأه ابن كثير بلام التوكيد وليس بلا النافية، فيكون المعنى ولو شاء لأعلمكم به وجعلكم تؤمنون بصدقه، والواو عاطفة على نية تكرار الفاعل. [ ص: 3535 ]

                                                          ثم يبين سبحانه صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدق والأمانة وشرف النفس مما يوجب تصديقه فقال تعالى: فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أميا صادقا لا أقول شعرا، ولا كنت خطيبا فيكم، ولقد علمتم قولي وكيف اختلف عما أتلوه عليكم، وقد كنت وإياكم في بلد أمي لا علم فيه ولا درس، لم أمارس علما أو ألق عالما، ثم قرأت عليكم كتابا أعجزكم بيانه وفصاحته وما فيه من علم غزير بالحلال والحرام والأخبار الصادقة، وقصص فيها العبرة لمن يعتبر، هكذا كان عمري فيكم قبل البعث.

                                                          أفلا تعقلون أفلا توازنون بعقولكم بين الحاضر، وبين ماض لا يتفق وما جئتكم به.

                                                          وإن توجيههم إلى الماضي النبوي الكريم يدل على أمرين:

                                                          أولهما - أنه صادق شريف ينبغي الإيمان بقوله، وأنه لا يدعي باطلا وأولى به ألا يكذب على الله إذ كان لم يكذب قط قبل.

                                                          ثانيهما - أنهم عرفوا كلامه وأنه كان بليغا، وأنه لم يقرض شعرا، ولم يرق منبرا، فهذا الذي يتلى ليس من نوع كلامه ولا يمكن أن يكون من كلام أحد.

                                                          وقوله تعالى: أفلا تعقلون (الفاء) متأخرة عن تقديم، مترتبة على ما قبلها وأخرت لمكان الاستفهام من الصدارة، والاستفهام إنكاري بمعنى نفي الوقوع، داخل على نفي، وهو (لا) ونفي النفي إثبات، فهو تحريض على التفكير والتدبر وألا يركب الشيطان رءوسهم فيهملوا عقولهم ويكونوا قوما بورا.

                                                          وهكذا كل من أهمل القرآن وتركه يريد معجزة أخرى: لو أنـزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية