الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون

                                                          الكلام في بيان اليوم الذي أنكروه: قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ولتذكيرهم بما يكون في هذا اليوم من حساب وعذاب وما هو جدير بأن يعلموه، وهو تبرؤ معبوديهم الذين اتخذوهم أندادا لله منهم ومعبوديهم هؤلاء هم عقلاء ينطقون كالملائكة والأنبياء الذين عبدوهم مع الله كالنصارى أو الأحجار التي لا تضر ولا تنفع.

                                                          ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم (ثم) عاطفة تدل على الترتيب والتراخي الزماني والمعنوي، أما الزماني فهو أن ذلك القول بعد الحشر وبعد أن ارتكبوا في الدنيا ما ارتكبوا وطغوا وبغوا وأفسدوا، وأما المعنوي فهو البعد بين حالهم وما كانوا فيه من إنكار وطغيان، وحالهم وقد تبين لهم ما أنكروه واقعا ونطق الذين عبدوهم بالحق وتبرءوا منهم.

                                                          وقوله تعالى: مكانكم مفعول لفعل محذوف معناه الزموا مكانكم وقفوا حيث أنتم وكانوا هم وشركاؤهم مجتمعين حسا ومفترقين نفسا، ولذا قال تعالى: فزيلنا بينهم وهناك قراءة " فزايلنا بينهم " وهما من زال فزيل مضاف زال - وزايلنا - مفاعلة من زال، أي: فرقنا بينهم وجعلنا ما كان بينهم في الدنيا يزول وافترق العابد عن المعبود كقوله تعالى: وامتازوا اليوم أيها المجرمون وكقوله تعالى: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون وقوله تعالى: يومئذ يصدعون [ ص: 3557 ]

                                                          وقال شركاؤهم الشركاء هم الأنداد التي عبدوها أو غيرهم، وسموا شركاؤهم; لأنهم انتحلوا لهم الشركة فعلا، وإن لم يقولوها قولا.

                                                          وقال هؤلاء نافين نفيا باتا: ما كنتم إيانا تعبدون أي: ما كنتم تسمونه عبادة ليس عبادة، فما عبدتمونا ولكن عبدتم أوهامكم وما حسبتموهم آلهة بإيعاز الشيطان، كما جاء على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام:

                                                          قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد

                                                          وفي قوله تعالى: ما كنتم إيانا تعبدون النفي مؤكد قاطع; لأنه نفي في الماضي والمستقبل، وأن ما كانوا يسمونه عبادة ليس عبادة مطلقا وأن من خصوهم بالعبادة ينكرونها فليسوا أهلا لأية عبادة.

                                                          وقد يسأل سائل: كيف كانت الحجارة التي تمثلوها آلهة تنطق بذلك النفي; فنقول: إن ما عبدوهم من الأنبياء كعيسى يقول ذلك، أما الحجارة فينطقها الله فتقوله، أو هو تصوير لحالها في أمرها وأمرهم والله تعالى شاهد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية