الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " قالوا " يعني : إخوة يوسف " إن يسرق " يعنون بنيامين " فقد سرق أخ له من قبل " يعنون يوسف . قال المفسرون : عوقب يوسف ثلاث مرات ، قال للساقي : " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين ، وقال للعزيز : " ليعلم أني لم أخنه بالغيب " فقال له جبريل : ولا حين هممت ؟ فقال : " وما أبرئ نفسي " وقال لإخوته : " إنكم لسارقون " ، فقالوا : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] وفي ما عنوا بهذه السرقة سبعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه في سني المجاعة ، فيطعمه للمساكين ، رواه عطاء عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه سرق مكحلة لخالته ، رواه أبو مالك عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه سرق صنما لجده أبي أمه ، فكسره وألقاه في الطريق ، فعيره إخوته بذلك ، قاله سعيد بن جبير ، ووهب بن منبه ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أن عمة يوسف - وكانت أكبر ولد إسحاق - كانت تحضن يوسف وتحبه حبا شديدا ، فلما ترعرع ، طلبه يعقوب ، فقالت : ما أقدر أن يغيب عني ، فقال : والله ما أنا بتاركه ، فعمدت إلى منطقة إسحاق ، فربطتها على يوسف تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ، فوجدوها مع يوسف ، فأخبرت يعقوب ذلك ، وقالت : والله إنه لي أصنع فيه ما شئت ، فقال : أنت وذاك ، فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت ، فذاك الذي عيره به إخوته ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : أنه جاءه سائل يوما ، فسرق شيئا ، فأعطاه السائل ، فعيروه بذلك . وفي ذلك الشيء ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان بيضة ، قاله مجاهد . والثاني : أنه شاة ، قاله كعب . والثالث : دجاجة ، قاله سفيان بن عيينة .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس : أن بني يعقوب كانوا على طعام ، فنظر يوسف إلى عرق ، فخبأه ، فعيروه بذلك ، قاله عطية العوفي ، وإدريس الأودي . قال ابن الأنباري : وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ، لكنها تشبه السرقة ، فعيره إخوته بذلك عند الغضب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] والسابع : أنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه ، قاله الحسن . وقرأ أبو رزين ، وابن أبي عبلة : " فقد سرق " بضم السين وكسر الراء وتشديدها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فأسرها يوسف في نفسه " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها ترجع إلى الكلمة التي ذكرت بعد هذا ، وهي قوله : " أنتم شر مكانا " ، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها ترجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه ، وهي قولهم : " فقد سرق أخ له من قبل " ، وهذا معنى قول أبي صالح عن ابن عباس ، فعلى هذا يكون المعنى : أسر جواب الكلمة فلم يجبهم عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها ترجع إلى الحجة ، المعنى : فأسر الاحتجاج عليهم في ادعائهم عليه السرقة ، ذكره ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أنتم شر مكانا " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : شر صنيعا من يوسف لما قدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : شر منزلة عند الله ، ذكره الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " والله أعلم بما تصفون " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : تقولون ، قاله مجاهد . والثاني : بما تكذبون ، قاله قتادة . قال الزجاج : المعنى : والله أعلم أسرق أخ له ، أم لا؟ . وذكر بعض المفسرين أنه لما استخرج الصواع من رحل أخيه ، نقر الصواع ، ثم أدناه من أذنه ، فقال : إن صواعي هذا يخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا ، وأنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه ، فقال بنيامين : أيها الملك ، سل صواعك عن أخي ، أحي هو ؟ فنقره ، ثم قال : [ ص: 265 ] هو حي ، وسوف تراه ، فقال : سل صواعك ، من جعله في رحلي ؟ فنقره ، وقال : إن صواعي هذا غضبان ، وهو يقول : كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت ؟ فغضب روبيل ، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، فإذا مس أحدهم الآخر ذهب غضبه ، فقال : والله أيها الملك لتتركنا ، أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها ، فقال يوسف لابنه : قم إلى جنب روبيل فامسسه ، ففعل الغلام ، فذهب غضبه ، فقال روبيل : ما هذا ؟! إن في هذا البلد من ذرية يعقوب ؟ قال يوسف : ومن يعقوب ؟ فقال : أيها الملك ، لا تذكر يعقوب ، فإنه إسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله . فلما لم يجدوا إلى خلاص أخيهم سبيلا ، سألوه أن يأخذ منهم بديلا به ، فذلك قوله : " يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا " أي : في سنه ، وقيل : في قدره ، " فخذ أحدنا مكانه " أي : تستعبده بدلا عنه . " إنا نراك من المحسنين " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : فيما مضى . والثاني : إن فعلت . " قال معاذ الله " قد سبق تفسيره [يوسف :33] والمعنى : أعوذ بالله أن نأخذ بريئا بسقيم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية