أبواب مواقيت الإحرام وصفته وأحكامه
باب المواقيت المكانية ، وجواز التقدم عليها
1811 - ( عن قال : { ابن عباس المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ; قال : فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها . } ) وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل
1812 - ( وعن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر المدينة من ذي الحليفة ، ويهل أهل الشام من الجحفة ، ويهل أهل نجد من قرن قال : وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ومهل أهل ابن عمر اليمن من يلملم } متفق عليهما . زاد يهل أهل في رواية وقاس الناس أحمد ذات عرق بقرن )
- باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها
- باب دخول مكة بغير إحرام لعذر
- باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها
- باب جواز العمرة في جميع السنة
- باب ما يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره
- باب الاشتراط في الإحرام
- باب التخيير بين التمتع والإفراد والقران وبيان أفضلها
- باب إدخال الحج على العمرة
- باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما أحرم به فلان
- باب التلبية وصفتها وأحكامها
- باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة
التالي
السابق
قوله : ( وقت ) المراد بالتوقيت هنا التحديد ، ويحتمل أن يكون يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر . وقال القاضي عياض : وقت : أي حدد قال الحافظ : وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقتا يختص به ، وهو بيان مقدار المدة ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا . قال : التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ، يقال : وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته : إذا بين مدته ، ثم اتسع فيه فقيل : للموضع ميقات . وقال ابن الأثير ابن دقيق العيد : إن التأقيت في اللغة : تعليق الحكم بالوقت تم استعمل للتحديد والتعيين ، وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت ، وقد يكون وقت بمعنى أوجب ، ومنه قوله تعالى: { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } قوله : ( لأهل المدينة ذا الحليفة ) .
بالحاء المهملة والفاء مصغرا . قال في الفتح : مكان معروف : بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين ، قاله . وقال غيره : بينهما عشر مراحل . قال ابن حزم النووي : بينها وبين المدينة ستة أميال ، ووهم [ ص: 350 ] من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ ، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب ، وفيها بئر يقال لها : بئر . ا هـ قوله ( علي : الجحفة ) بضم الجيم وسكون المهملة . قال في الفتح : وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست .
وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر . وقال في القاموس : هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة ، وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية قوله
( قرن المنازل ) بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون ، وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطه صاحب القاموس ، وحكى النووي الاتفاق على تخطئته ، وقيل : إنه بالسكون : الجبل ، وبالفتح : الطريق ، حكاه عياض عن القابسي . قال في الفتح : والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان قوله : ( يلملم ) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم . قال في القاموس : ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة . وقال في الفتح كذلك ، وزاد بينهما ثلاثون ميلا قوله : ( فهن ) أي : - المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث ، وأصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح قوله : ( لهن ) أي للجماعات المذكورة . ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ : " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما وقع في رواية بلفظ : " هن لأهلهن " قوله : ( ولمن أتى عليهن ) أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة ، فإذا أراد الشامي الحج فدخل للبخاري المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي ، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك
وتعقب بأن المالكية يقولون : يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه ، وبه قالت الحنفية وأبو ثور من الشافعية ، وهكذا ما كان من البلدان خارجا عن البلدان المذكورة ، فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه ، قوله : ( فمن كان دونهن ) أي بين الميقات وابن المنذر ومكة قوله : ( فمهله من أهله ) أي فميقاته من محل أهله وفي رواية " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ الإحرام إذا سافر من مكانه إلى للبخاري مكة . قال في الفتح : وهذا متفق عليه إلا ما روي عن أنه قال : ميقات هؤلاء نفس مجاهد مكة ، ويدخل في ذلك من فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات ، قوله : ( يهلون منها ) الإهلال رفع الصوت ; لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ، ثم أطلق نفس الإحرام اتساعا ، والمراد بقوله : " يهلون منها " أي من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه وهذا في الحج ، وأما العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي . قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل مكة [ ص: 351 ] ميقاتا للعمرة . واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة . وقال ابن الماجشون : يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل ، قوله : ( وقاس الناس ذات عرق بقرن ) سيأتي الكلام عليه
1813 - ( وعن ابن عمر قال : { فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل عمر بن الخطاب نجد قرنا وإنه جور عن طريقنا ، وإن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا ، قال : فانظروا حذوها من طريقكم ، قال : فحد لهم ذات عرق } رواه لما فتح هذان المصران أتوا . ) البخاري
1814 - ( وروي عن : { عائشة العراق ذات عرق } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل أبو داود ) . والنسائي
1815 - ( وعن : أنه سمع { أبي الزبير جابرا سئل عن المهل فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الآخر الجحفة ; ومهل أهل العراق ذات عرق ; ومهل أهل نجد من قرن ; ومهل أهل اليمن من يلملم } رواه وكذلك مسلم أحمد ورفعاه من غير شك ) . حديث وابن ماجه سكت عنه عائشة أبو داود وقال في التلخيص : هو من رواية والمنذري القاسم عنها ، تفرد به عن المعافى بن عمران أفلح عنه ، والمعافى ثقة .
وحديث أخرجه جابر على الشك في رفعه كما قال المصنف . وأخرجه مسلم أبو عوانة في مستخرجه كذلك ، وجزم برفعه أحمد كما ذكر المصنف ولكن في إسناد وابن ماجه أحمد بن لهيعة وهو ضعيف ، وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به .
وفي الباب عن الحارث بن عمرو السهمي عند أبي داود . عن عند أنس . وعن الطحاوي عند ابن عباس . وعن ابن عبد البر عبد الله بن عمر . وعند وفي إسناده أحمد . وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ، وبها يرد على الحجاج بن أرطاة حيث قال في ابن خزيمة ذات عرق : أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث ، وعلى حيث يقول : لم نجد في ابن المنذر ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح : لعل من قال : إنه غير منصوص لم يبلغه ، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا يخلو عن مقال . قال : لكن الحديث بمجموع الطرق
[ ص: 352 ] يقوى .
وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس ، وبه قطع طاوس الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ، وكذا وقع في المدونة . ولمن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية لمالك والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب ، وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال : هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين ابن عبد البر الشام والعراق ، وبهذا أجاب الماوردي وآخرون ، وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب ، فأخرج أبو داود والترمذي عن { ابن عباس العقيق } وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق الترمذي ولكن في إسناده . قال يزيد بن أبي زياد النووي : ضعيف باتفاق المحدثين . قال الحافظ : في نقل الاتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع مقرونا بآخر قال ومسلم : لا أبالي إذا كتبت عن شعبة يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ، ووصفه في الميزان بسوء الحفظ .
وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأوجه منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق . ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن ، والآخر ميقات لأهل البصرة ، ووقع ذلك في حديث عند أنس وإسناده ضعيف . ومنها أن الطبراني ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة ، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ، حكى هذه الأوجه صاحب الفتح قوله : ( لما فتح هذان المصران ) بالبناء للمجهول .
وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء للمعلوم ، والمصران تثنية مصر ، والمراد بهما البصرة والكوفة ، قوله : ( وإنه جور ) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء : أي ميل ، والجور : الميل عن القصد ، ومنه قوله تعالى: { ومنها جائر } قوله : ( فانظروا حذوها ) أي : اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا . وظاهره أن حد لهم عمر ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله: والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فليس ببدع وقوع اجتهاد على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى عمر
1816 - ( وعن { أنس في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته ، عمرته من عمر الحديبية ، ومن العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين ، وعمرته مع حجته ) } [ ص: 353 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع
1817 - ( وعن قالت : { عائشة المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت فإنما أنتظركما هاهنا ، قالت : فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة ، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل ، فقال : هل فرغت ؟ قلت : نعم ، فأذن في أصحابه بالرحيل ، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة } . متفق عليهما ) . . نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
1818 - ( وعن قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { أم سلمة المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه } رواه من أهل من أحمد وأبو داود بنحوه وذكر فيه العمرة دون الحجة ) . وابن ماجه
حديث في إسناده أم سلمة علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال : شيخ من شيوخ أبو حاتم الرازي المدينة ليس بالمشهور ، وذكره في الثقات . وقال ابن حبان ابن كثير في حديث : هذا اضطراب . قوله : ( أربع عمر ) ثبت مثل هذا من حديث أم سلمة عائشة وابن عمر عند وغيره . البخاري
وأخرج من حديث البخاري البراء : " أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مرتين " والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي مع حجته لأن حديثه مقيد بكونه ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة ، وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ، ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره . وفي الباب عن عند أبي هريرة قال : { عبد الرزاق في ذي القعدة عمر } وعن اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عند عائشة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال في الفتح : وإسناده قوي ، وقولها : " في شوال " مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة سعيد بن منصور
ويؤيده ما رواه بإسناد صحيح عن ابن ماجه بلفظ " { عائشة } وفي لم يعتمر صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة عن البخاري أنها لما سمعت عائشة ابن عمر يقول : { أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط } وروى اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب ، قالت : يرحم الله عن الدارقطني أنها قالت { عائشة } الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ابن القيم في الهدي " ما اعتمر [ ص: 354 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط " وقال : لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وسلم لم تزد على أربع ، فلو كان اعتمر في رجب لكانت خمسا ، ولو كان اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال : بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع ، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة ، قوله : ( من الجعرانة ) قال في القاموس : الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال : التشديد خطأ : موضع بين الشافعي مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد ، وكانت تلقب بالجعرانة انتهى قوله : ( المحصب ) هو على ما في القاموس : الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمي الجمار بمنى قوله : ( اخرج بأختك من الحرم ) لفظ { البخاري ويعمرها من عائشة التنعيم } وقد وقع الخلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف التنعيم لمن اعتمر من مكة ؟ قال هل يتعين : ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان الطحاوي بمكة إلا التنعيم ، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج ، وخالفهم آخرون فقالوا : ميقات العمرة الحل ، وإنما أمر بالإحرام من عائشة التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة . ثم روي عن عائشة أنها قالت : " فكانت أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه " قال : فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك
وقال صاحب الهدي : ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ، ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها . قال في الفتح : وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته . انتهى . ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل : قوله : ( من المسجد الأقصى ) فيه دليل على جواز . ويؤيد ذلك ما أخرجه تقديم الإحرام على الميقات في الأم عن الشافعي عمر في المستدرك بإسناد قوي عن والحاكم عليه السلام أنهما قالا : { علي وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما من دويرة أهلك } بل قد ثبت مرفوعا من حديث إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى: { . قال في الدر المنثور : وأخرج أبي هريرة ابن عدي عن والبيهقي { أبي هريرة وأتموا الحج والعمرة لله } قال : إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك } . وأما من قول صاحب المنار : إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال . وقد حكي في التلخيص أنه فسره عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { فيما حكاه عنه ابن عيينة بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ الإهلال الواقع في حديث الباب ، ولفظ الإحرام الواقع في حديث أحمد وفي تفسير أبي هريرة علي . وقد قدمنا في بحث حكم العمرة تفسيرا آخر للآية وعمر
بالحاء المهملة والفاء مصغرا . قال في الفتح : مكان معروف : بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين ، قاله . وقال غيره : بينهما عشر مراحل . قال ابن حزم النووي : بينها وبين المدينة ستة أميال ، ووهم [ ص: 350 ] من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ ، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب ، وفيها بئر يقال لها : بئر . ا هـ قوله ( علي : الجحفة ) بضم الجيم وسكون المهملة . قال في الفتح : وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست .
وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر . وقال في القاموس : هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة ، وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية قوله
( قرن المنازل ) بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون ، وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطه صاحب القاموس ، وحكى النووي الاتفاق على تخطئته ، وقيل : إنه بالسكون : الجبل ، وبالفتح : الطريق ، حكاه عياض عن القابسي . قال في الفتح : والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان قوله : ( يلملم ) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم . قال في القاموس : ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة . وقال في الفتح كذلك ، وزاد بينهما ثلاثون ميلا قوله : ( فهن ) أي : - المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث ، وأصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح قوله : ( لهن ) أي للجماعات المذكورة . ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ : " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما وقع في رواية بلفظ : " هن لأهلهن " قوله : ( ولمن أتى عليهن ) أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة ، فإذا أراد الشامي الحج فدخل للبخاري المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي ، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك
وتعقب بأن المالكية يقولون : يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه ، وبه قالت الحنفية وأبو ثور من الشافعية ، وهكذا ما كان من البلدان خارجا عن البلدان المذكورة ، فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه ، قوله : ( فمن كان دونهن ) أي بين الميقات وابن المنذر ومكة قوله : ( فمهله من أهله ) أي فميقاته من محل أهله وفي رواية " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ الإحرام إذا سافر من مكانه إلى للبخاري مكة . قال في الفتح : وهذا متفق عليه إلا ما روي عن أنه قال : ميقات هؤلاء نفس مجاهد مكة ، ويدخل في ذلك من فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات ، قوله : ( يهلون منها ) الإهلال رفع الصوت ; لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ، ثم أطلق نفس الإحرام اتساعا ، والمراد بقوله : " يهلون منها " أي من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه وهذا في الحج ، وأما العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي . قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل مكة [ ص: 351 ] ميقاتا للعمرة . واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة . وقال ابن الماجشون : يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل ، قوله : ( وقاس الناس ذات عرق بقرن ) سيأتي الكلام عليه
1813 - ( وعن ابن عمر قال : { فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل عمر بن الخطاب نجد قرنا وإنه جور عن طريقنا ، وإن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا ، قال : فانظروا حذوها من طريقكم ، قال : فحد لهم ذات عرق } رواه لما فتح هذان المصران أتوا . ) البخاري
1814 - ( وروي عن : { عائشة العراق ذات عرق } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل أبو داود ) . والنسائي
1815 - ( وعن : أنه سمع { أبي الزبير جابرا سئل عن المهل فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الآخر الجحفة ; ومهل أهل العراق ذات عرق ; ومهل أهل نجد من قرن ; ومهل أهل اليمن من يلملم } رواه وكذلك مسلم أحمد ورفعاه من غير شك ) . حديث وابن ماجه سكت عنه عائشة أبو داود وقال في التلخيص : هو من رواية والمنذري القاسم عنها ، تفرد به عن المعافى بن عمران أفلح عنه ، والمعافى ثقة .
وحديث أخرجه جابر على الشك في رفعه كما قال المصنف . وأخرجه مسلم أبو عوانة في مستخرجه كذلك ، وجزم برفعه أحمد كما ذكر المصنف ولكن في إسناد وابن ماجه أحمد بن لهيعة وهو ضعيف ، وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به .
وفي الباب عن الحارث بن عمرو السهمي عند أبي داود . عن عند أنس . وعن الطحاوي عند ابن عباس . وعن ابن عبد البر عبد الله بن عمر . وعند وفي إسناده أحمد . وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ، وبها يرد على الحجاج بن أرطاة حيث قال في ابن خزيمة ذات عرق : أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث ، وعلى حيث يقول : لم نجد في ابن المنذر ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح : لعل من قال : إنه غير منصوص لم يبلغه ، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا يخلو عن مقال . قال : لكن الحديث بمجموع الطرق
[ ص: 352 ] يقوى .
وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس ، وبه قطع طاوس الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ، وكذا وقع في المدونة . ولمن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية لمالك والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب ، وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال : هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين ابن عبد البر الشام والعراق ، وبهذا أجاب الماوردي وآخرون ، وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب ، فأخرج أبو داود والترمذي عن { ابن عباس العقيق } وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق الترمذي ولكن في إسناده . قال يزيد بن أبي زياد النووي : ضعيف باتفاق المحدثين . قال الحافظ : في نقل الاتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع مقرونا بآخر قال ومسلم : لا أبالي إذا كتبت عن شعبة يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ، ووصفه في الميزان بسوء الحفظ .
وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأوجه منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق . ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن ، والآخر ميقات لأهل البصرة ، ووقع ذلك في حديث عند أنس وإسناده ضعيف . ومنها أن الطبراني ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة ، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ، حكى هذه الأوجه صاحب الفتح قوله : ( لما فتح هذان المصران ) بالبناء للمجهول .
وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء للمعلوم ، والمصران تثنية مصر ، والمراد بهما البصرة والكوفة ، قوله : ( وإنه جور ) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء : أي ميل ، والجور : الميل عن القصد ، ومنه قوله تعالى: { ومنها جائر } قوله : ( فانظروا حذوها ) أي : اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا . وظاهره أن حد لهم عمر ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله: والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فليس ببدع وقوع اجتهاد على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى عمر
1816 - ( وعن { أنس في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته ، عمرته من عمر الحديبية ، ومن العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين ، وعمرته مع حجته ) } [ ص: 353 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع
1817 - ( وعن قالت : { عائشة المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت فإنما أنتظركما هاهنا ، قالت : فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة ، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل ، فقال : هل فرغت ؟ قلت : نعم ، فأذن في أصحابه بالرحيل ، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة } . متفق عليهما ) . . نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
1818 - ( وعن قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { أم سلمة المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه } رواه من أهل من أحمد وأبو داود بنحوه وذكر فيه العمرة دون الحجة ) . وابن ماجه
حديث في إسناده أم سلمة علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال : شيخ من شيوخ أبو حاتم الرازي المدينة ليس بالمشهور ، وذكره في الثقات . وقال ابن حبان ابن كثير في حديث : هذا اضطراب . قوله : ( أربع عمر ) ثبت مثل هذا من حديث أم سلمة عائشة وابن عمر عند وغيره . البخاري
وأخرج من حديث البخاري البراء : " أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مرتين " والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي مع حجته لأن حديثه مقيد بكونه ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة ، وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ، ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره . وفي الباب عن عند أبي هريرة قال : { عبد الرزاق في ذي القعدة عمر } وعن اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عند عائشة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال في الفتح : وإسناده قوي ، وقولها : " في شوال " مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة سعيد بن منصور
ويؤيده ما رواه بإسناد صحيح عن ابن ماجه بلفظ " { عائشة } وفي لم يعتمر صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة عن البخاري أنها لما سمعت عائشة ابن عمر يقول : { أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط } وروى اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب ، قالت : يرحم الله عن الدارقطني أنها قالت { عائشة } الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ابن القيم في الهدي " ما اعتمر [ ص: 354 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط " وقال : لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وسلم لم تزد على أربع ، فلو كان اعتمر في رجب لكانت خمسا ، ولو كان اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال : بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع ، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة ، قوله : ( من الجعرانة ) قال في القاموس : الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال : التشديد خطأ : موضع بين الشافعي مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد ، وكانت تلقب بالجعرانة انتهى قوله : ( المحصب ) هو على ما في القاموس : الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمي الجمار بمنى قوله : ( اخرج بأختك من الحرم ) لفظ { البخاري ويعمرها من عائشة التنعيم } وقد وقع الخلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف التنعيم لمن اعتمر من مكة ؟ قال هل يتعين : ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان الطحاوي بمكة إلا التنعيم ، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج ، وخالفهم آخرون فقالوا : ميقات العمرة الحل ، وإنما أمر بالإحرام من عائشة التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة . ثم روي عن عائشة أنها قالت : " فكانت أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه " قال : فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك
وقال صاحب الهدي : ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ، ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها . قال في الفتح : وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته . انتهى . ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل : قوله : ( من المسجد الأقصى ) فيه دليل على جواز . ويؤيد ذلك ما أخرجه تقديم الإحرام على الميقات في الأم عن الشافعي عمر في المستدرك بإسناد قوي عن والحاكم عليه السلام أنهما قالا : { علي وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما من دويرة أهلك } بل قد ثبت مرفوعا من حديث إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى: { . قال في الدر المنثور : وأخرج أبي هريرة ابن عدي عن والبيهقي { أبي هريرة وأتموا الحج والعمرة لله } قال : إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك } . وأما من قول صاحب المنار : إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال . وقد حكي في التلخيص أنه فسره عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { فيما حكاه عنه ابن عيينة بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ الإهلال الواقع في حديث الباب ، ولفظ الإحرام الواقع في حديث أحمد وفي تفسير أبي هريرة علي . وقد قدمنا في بحث حكم العمرة تفسيرا آخر للآية وعمر