الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 50 ] قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون

                                                                                                                                                                                                                                      قل أرأيتم أي أخبروني إن أتاكم عذابه أي الذي تستعجلون به بياتا أي ليلا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أي ولا شيء منه بمرغوب البتة.

                                                                                                                                                                                                                                      لطائف:

                                                                                                                                                                                                                                      الأولى – (أرأيت) يستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية، وهو أصل وضعه، ثم استعملوه بمعنى (أخبرني) والرؤية فيه يجوز أن تكون بصرية وعلمية، فالتقدير: أأبصرت حالته العجيبة، أو أعرفتها؟ فأخبرني عنها. ولذا لم يستعمل في غير الأمر العجيب. ولما كانت رؤية الشيء سببا لمعرفته، ومعرفته سببا للإخبار عنه، أطلق السبب القريب [ ص: 3357 ] أو البعيد، وأريد مسببه، وهل هو بطريق التجوز كما ذهب إليه كثير، أو التضمين كما ذهب إليه أبو حيان- كذا في (العناية).

                                                                                                                                                                                                                                      الثانية - سر إيثار (بياتا) على (ليلا) مع ظهور التقابل فيه ; الإشعار بالنوم والغفلة، وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدو، ويتوقع فيه، ويغتنم فرصة غفلته، وليس في مفهوم الليل هذا المعنى، ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش، حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار، أو النهار كله محل الغفلة، لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو غذاء، أو زمان قيلولة، كما في قوله: بياتا أو هم قائلون بخلاف الليل، فإن محل الغفلة فيه ما قارب وسطه وهو وقت البيات، فلذا خص بالذكر دون النهار. و (البيات) بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم، لا بمعنى البيتوتة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالثة -قيل: إن استعجالهم العذاب، كان المقصود منه الاستبعاد والاستهزاء، دون ظاهره، فورود (ما) هنا في الجواب على الأسلوب الحكيم. لأنهم ما أرادوا بالسؤال إلا الاستبعاد أن الموعود منه تعالى، وأنه افتراء، فطلبوا منه تعيين وقته تهكما وسخرية، فقال في جوابهم هذا التهكم لا يتم إذا كنت مقرا بأني مثلكم، وأني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا، فكيف أدعي ما ليس لي به حق؟ ثم شرع في الجواب الصحيح، ولم يلتفت إلى تهكمهم واستبعادهم -أفاده الطيبي-.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابعة - سر إيثار ماذا يستعجل منه المجرمون على (ماذا يستعجلون منه) هو الدلالة على موجب ترك الاستعجال، وهو الإجرام، لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه، وإن أبطأ، فضلا عن أن يستعجله -كذا في (الكشاف)-.

                                                                                                                                                                                                                                      قال في (الانتصاف): وفي هذا النوع البليغ نكتتان:

                                                                                                                                                                                                                                      إحداهما: وضع الظاهر مكان المضمر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3358 ] والأخرى: ذكر الظاهر بصيغة زائدة مناسبة للمصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وكلاهما مستقل بوجه من البلاغة والمبالغة -والله أعلم-.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية