الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأشار إلى تعقب العذاب للأيام وتسببه عن الوعيد المعين بقوله: فلما جاء أمرنا بالفاء بخلاف ما في قصة هود وشعيب عليهما السلام، أي مع مضي الأيام كان أول ما فعلنا أن نجينا بما لنا من العظمة أولياءنا صالحا والذين آمنوا معه من كيد قومهم، [وبين أن إحسانه سبحانه لا يكون إلا فضلا منه بقوله]: برحمة منا وذلك أنه عليه السلام قال لهم: تصبحون [ ص: 324 ] غدا يوم مؤنس - يعني الخميس - ووجوهكم مصفرة، ثم تصبحون يوم عروبة - يعني الجمعة - ووجوهكم محمرة، ثم تصبحون يوم شبار ووجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب يوم أول - أي الأحد - فقال التسعة رهط الذين عقروا الناقة: هلم فلنقتل صالحا، فإن كان صادقا عجلناه قبلنا، وإن كان كاذبا قد [كنا] ألحقناه بناقته، فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة، فلما أبطؤوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح: أنت قتلتهم! ثم هموا به فقامت عشيرته دونهم ولبسوا السلاح وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبدا فقد وعدكم أن العذاب يكون بكم بعد ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا، وإن كان كاذبا فأنتم وراء ما تريدون، فانصرفوا فلما أصبحت وجوههم مصفرة عرفوا أنه قد صدقهم، فطلبوه ليقتلوه فجاء إلى بطن منهم يقال له (بنو غنم فنزل على سيدهم [رجل] فغيبه عنده، فعدوا على أصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه فقالوا: يا نبي الله! إنهم يعذبوننا لندلهم عليك، أفندلهم؟ قال: [ ص: 325 ] نعم، فدلوهم عليه فأتوه فقال الغنمي: نعم عندي ولا سبيل إليه، فتركوه وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم [كذا] ذكر ذلك البغوي عن ابن إسحاق ووهب وغيرهما مطولا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر نجاتهم من كل هلكة، ذكر نجاتهم من خصوص ما عذب به قومهم فقال: ومن أي: ونجيناهم من خزي أي: ذل وفضيحة يومئذ أي: يوم إذ جاء أمرنا بإهلاكهم بالصيحة وحل بهم دونهم فرقا [بين] أوليائنا [و] أعدائنا، [وحذف "نجينا" هنا يدل على أن عذابهم دون عذاب عاد]; ثم عقب ذلك بتعليله إهلاكا وإنجاء باختصاصه بصفات القهر والغلبة والانتقام فقال: إن ربك أي المحسن إليك كما أحسن إلى الأنبياء من قبلك هو أي: وحده القوي فهو يغلب كل شيء العزيز أي القادر على منع غيره من غير أن يقدر أحد عليه أو على الامتناع منه، من عز الشيء أي امتنع، ومنه العزاز - للأرض الصلبة الممتنعة بذلك عن التصرف فيها; والخزي: العيب الذي تظهر فضيحته ويستحى من مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية