الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب زاد مسلم إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعا وله من حديث جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وفيه ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي الطفيتين فإنه شيطان ، وله من حديث عبد الله بن مغفل أمر بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم زاد في رواية والزرع .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني)

                                                            وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب .

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه من هذا الوجه من طريق مالك وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبيد الله بن عمر بزيادة فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل ، ومن طريق إسماعيل بن أمية بزيادة فتتبعت في المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المرية من أهل البادية يتبعها كلهم عن نافع عن ابن عمر وأخرجه مسلم أيضا والترمذي والنسائي من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعا لفظ مسلم ولم يذكر الترمذي والنسائي قوله أو كلب غنم ولم يذكر النسائي قصة أبي هريرة .

                                                            (الثانية) فيه الأمر بقتل الكلاب ، وهي على ثلاثة أقسام:

                                                            (أحدها): الكلب العقور والكلب قد أجمع [ ص: 32 ] العلماء على قتله.

                                                            (الثاني) ما يباح اقتناؤه للمنافع المتقدم ذكرها، وقد أجمعوا على منع قتله..

                                                            و (الثالث) ما عدا هذين القسمين، وقد اختلفوا فيه على أقوال:

                                                            (أحدها) قتلها مطلقا تمسكا بهذا الحديث وهو مذهب مالك وأصحابه. قال ابن عبد البر : قد عمل أبو بكر وابن عمر بقتل الكلاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء نحو ذلك عن عمر وعثمان فصار ذلك سنة معمولا بها عند الخلفاء لم ينسخها عند من عمل بها خبر.

                                                            (القول الثاني) المنع من قتلها وأنه منسوخ ودل على ذلك إباحة اتخاذها لمنافع وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن مغفل قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ؟ ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم وفي رواية له ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع وهذا مذهب الشافعي كما جزم به الرافعي في الأطعمة والنووي في البيع من شرح المهذب وزاد أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا. قال: وممن صرح به القاضي حسين وإمام الحرمين قال إمام الحرمين : الأمر بقتل الكلب الأسود وغيره كله منسوخ فلا يحل قتل شيء منها اليوم لا الأسود ولا غيره إلا الكلب العقور لكن قال الرافعي في الحج: إن قتلها مكروه، وذكر النووي أن مراده كراهة التنزيه، وذكر الرافعي في الغصب والنووي في التيمم أنها غير محترمة وزعم [ ص: 33 ] شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي أن مذهب الشافعي جواز قتلها فالله أعلم. واختار ابن عبد البر المنع من قتلها.

                                                            (القول الثالث) أنها ممنوع من قتلها إلا الأسود البهيم واختار النووي في شرح مسلم هذا كما سيأتي حكاية كلامه في الفائدة التي بعدها ويدل له ما في صحيح مسلم عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال عليكم بالأسود البهيم ذي الطفيتين فإنه شيطان وقيل في معنى كونه شيطانا أنه بعيد من المنافع قريب من المضرة والأذى.

                                                            (الثالثة) اختلف في الأمر بقتل الكلاب المذكورة في هذا الحديث هل كان قبل نسخه عاما أو مخصوصا بما عدا المنتفع به للصيد ونحوه حكاه القاضي عياض وقال: عندي أن النهي أولا كان عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها ثم نهى عن قتل ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية قال النووي وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن مغفل مخصوصا بما عدا الأسود ؛ لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الآخر.

                                                            (الرابعة) قوله في رواية عمرو بن دينار عند مسلم أو كلب غنم أو ماشية فيه تكرار، وهو من ذكر العام بعد الخاص ؛ لأن الماشية أعم من الغنم كما تقدم وإن كان الأكثر استعمالها في الغنم، وقد عرفت أن الترمذي والنسائي اقتصرا في روايتهما على الماشية .



                                                            (الخامسة) استدل بالأمر بقتل الكلاب على تحريم أكلها ؛ لأن مباح الأكل لا يجوز قتله عند القدرة عليه، وهذا هو المعروف من مذاهب العلماء .




                                                            الخدمات العلمية