الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب بيعتين في بيعة 2179 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا } رواه أبو داود وفي لفظ { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة . } رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            2180 - ( وعن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال { : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة } قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول : هو بنسا بكذا وهو بنقد بكذا وكذا . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة } انتهى ، وباللفظ الثاني عند من ذكره المصنف وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه ، وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات ، وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني وابن عبد البر .

                                                                                                                                            قوله : من باع بيعتين فسره سماك بما رواه المصنف عن أحمد عنه ، وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال : بأن يقول : بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة ، فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا . ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام . أما لو قال : قبلت بألف نقدا وبألفين بالنسيئة صح ذلك . وقد فسر ذلك الشافعي بتفسير آخر [ ص: 181 ] فقال : هو أن يقول : بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا : أي : إذا وجب لك عندي وجب لي عندك ، وهذا يصلح تفسيرا للرواية الأخرى من حديث أبي هريرة لا للأولى ، فإن قوله : ( فله أوكسهما ) يدل على أنه باع الشيء الواحد بيعتين ، بيعة بأقل وبيعة بأكثر .

                                                                                                                                            وقيل في تفسير ذلك : هو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال : بعني القفيز الذي لك علي ، إلى شهرين بقفيزين ، فصار ذلك بيعتين في بيعة ; لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان . قوله : ( فله أوكسهما ) أي : أنقصهما . قال الخطابي : لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكي عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى . ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث ; لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به

                                                                                                                                            . قوله : ( أو الربا ) يعني : أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر ، وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان . وأما التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال : يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء . وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى .

                                                                                                                                            وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور : إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر ; لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة ، وقد عرفت ما في راويها من المقال ، ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ، ولا حجة فيه على المطلوب ، ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه ، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة ، وهي أن يقول : نقدا بكذا ، ونسيئة بكذا ، لا إذا قال : من أول الأمر : نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه ، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ، ولا يدل الحديث على ذلك ، فالدليل أخص من الدعوى .

                                                                                                                                            وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها [ شفاء الغليل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل ] وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه . والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ، ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة . قوله : ( أو صفقتين في صفقة ) أي بيعتين في بيعة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية