الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قصة تملك النجاشي على الحبشة

            [ قتل أبي النجاشي ، وتولية عمه ]

            قال ابن إسحاق : قال الزهري : فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ؟ قال : قلت : لا ؛ قال : فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلا النجاشي ،

            وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة ، فقالت الحبشة بينها : لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا ، فتوارثوا ملكه من بعده ، بقيت الحبشة بعده دهرا ؛ فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه ، وملكوا أخاه ، فمكثوا على ذلك حينا . [ غلبة النجاشي عمه على أمره ، وسعي الأحباش لإبعاده ]

            ونشأ النجاشي مع عمه ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فغلب على أمر عمه ، ونزل منه بكل منزلة ، فلما رأت الحبشة مكانه ( منه ) قالت بينها : والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه ، وإنا لنتخوف أن يملكه علينا ، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين ، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه . فمشوا إلى عمه فقالوا : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفناه على أنفسنا ، قال : ويلكم قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم .

            قالت : فخرجوا به إلى السوق ، فباعوه من رجل من التجار بست مائة درهم ؛ فقذفه في سفينة فانطلق به ، حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم ، هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . قالت : ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمق ، ليس في ولده خير ، فمرج على الحبشة أمرهم . [ توليه الملك برضا الحبشة ]

            فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك ، قال بعضهم لبعض : تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه ( الآن ) . قالت : فخرجوا في طلبه ، وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه ، فأخذوه منه ، ثم جاءوا به ، فعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، فملكوه . [ حديث التاجر الذي ابتاع النجاشي ]

            فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه ، فقال : إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ؟ قالوا : لا نعطيك شيئا ، قال : إذن والله أكلمه ؛ قالوا : فدونك وإياه . قالت : فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مائة درهم ، فأسلموا إلي غلامي وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ، ومنعوني دراهمي . قالت : فقال لهم النجاشي : لتعطنه دراهمه ، أو ليضعن غلامه يده في يده ، فليذهبن به حيث شاء ؛ قالوا : بل نعطيه دراهمه .

            قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه . قالت : وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه ، وعد له في حكمه .

            قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : لما مات النجاشي ، كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور

            التالي السابق


            الخدمات العلمية