الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غزوة خيبر

            وقعت غزوة خيبر في سنة سبع من الهجرة، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها غاديا مع أصحابه وقد انتدب لها من خرج معه في الحديبية وأما من تخلف عن الحديبية فاشترط لهم الخروج رغبة في الجهاد من غير غنيمة، وكان الله سبحانه قد وعده إياها، واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي رضي الله عنه، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت بيضاء، وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.

            ولما عزم النبي صلى الله عليه وسلم الخروج لخبير شق ذلك على يهود المدينة فظلوا يرجفون بالمؤمنين بأن قتال خيبر ليس كقتال الأعراب، ومن كان له دين منهم على مسلم لزمه وظل يطالبه به.

            وفي أثناء مسير الجيش حدا بهم عامر بن الأكوع وارتجز بأبيات فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالرحمة أو المغفرة، فاستشهد في هذه الغزوة حيث رجع عليه سيفه أثناء القتال فجرح ومات، وسأله سلمة بن الأكوع عن عامر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لشهيد ، وصلى عليه ، فصلى عليه المسلمون

            وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم في الأودية ونزل على واد يقال له الرجيع من قبل الشام ليحول بين خيبر وبين حلفائهم من غطفان.

            ولما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر دعا أن يرزقه الله خيرها وخير أهلها وتعوذ من شرها وشر أهلها، وكان قد انتهى إلى خيبر ليلا فلم يطرقها حتى الصباح فلما لم يسمع آذانا سار إليهم وخرج اليهود بمكاتلهم وفؤوسهم إلى أعمالهم فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم رجعوا إلى حصونهم هاربين، وتحصنوا بها، وقد أشار الحباب بن المنذر على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتعد عن الحصون حتى لا يصيبه نبل أهل النطاة، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه.

            واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم راية سوداء تسمى العقاب وحملها الحباب بن المنذر، واللواء أبيض وكان يحمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشعار المسلمين يومئذ: "يا منصور أمت أمت".

            وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الحصون وكان أول حصن فتح حصن ناعم واستشهد عنده محمود بن مسلمة، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في حصار حصن تلو الآخر حتى فتح الله عليه جميع الحصون، ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ بن النطاة، ثم حصن الزبير، ثم حصون الشق ثم حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان حصنا منيعا تناوب عليه الصحابة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ، ليس بفرار ، يحب الله ورسوله ، يأخذها عنوة

            فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليا رضي الله عنه فأعطاه الراية وكان يشتكي رمدا في عينيه فمسحهما النبي صلى الله عليه وسلم بيديه فبرئ، وقاتلهم حتى فتح الله عليه رضي الله عنه.

            وكانت صفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله عنها في حصن القموص فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقها وتزوجها وكانت قد رأت رؤيا بذلك.

            وقتل في هذه الغزوة عدد من أعلام يهود منهم: الحارث، وأخوه مرحبا قتله علي رضي الله عنه، وعامر، وياسر.

            ثم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حصن الوطيح والسلالم، فحاصرهما حتى نزلا على الصلح، على حقن دماء من في الحصن من المقاتلة والذرية، ويخلون بينه وبين أراضيهم وأموالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا

            فقتل النبي صلى الله عليه وسلم كنانة والربيع لما كتماه مالهما، فاستخرجه النبي صلى الله عليه وسلم وانتقض عهدهما بذلك.

            وقد سألت يهود خيبر أن يصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أرض خيبر يزرعونها له ويصلحونها على أن يكون لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

            ولما هدأت الحرب أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، شاة مسمومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الشاة وكان قد أكل شيئا منها ومعه بشر بن البراء بن معرور، فمات منها بشر واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم منها على الكاهل، وظل يعاوده أثرها المرة بعد الأخرى حتى وفاته صلى الله عليه وسلم.

            وقد فتح الله على نبيه بمغانم كثيرة يوم خيبر فقسمها، وقدم جعفر وأصحابه من الحبشة فأسهم لهم فيها وقدم أبو هريرة مع ثمانين بيت من أوس مسلمين، فأشركهم في سهم خيبر أيضا حتى رضخ النبي صلى الله عليه وسلم للنساء والعبيد من الفيء.

            وفي هذه الغزوة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمر الأهلية، ونكاح المتعة، وفيها أخدم أبو طلحة أنس بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم.

            واستشهد فيها عدد من الصحابة منهم: محمود بن مسلمة وبشر بن البراء بن معرور، وعامر بن الأكوع، وأسلم الأسود الراعي الحبشي من أهل خيبر أسلم فيها وقتل يومئذ.

            وبعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر عرج على وادي القرى ودعا أهلها إلى الإسلام فأبوا عليه ففتحها الله عليهم وأغنمه أموالهم.

            وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن مكث في فتح خيبر ستة أشهر مؤيدا منصورا ولله الحمد.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية