الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ بعث الرسول إلى مؤتة واختياره الأمراء ]

            /بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال : " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس " . فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف .

            وقال الواقدي : حدثني ربيعة بن عثمان ، عن عمر بن الحكم ، عن أبيه قال : جاء النعمان بن فنحص اليهودي ، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زيد بن حارثة أمير الناس ، فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ، فإن قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا ، فليجعلوه عليهم " . فقال النعمان : أبا القاسم ، إن كنت نبيا ، فلو سميت من سميت قليلا أو كثيرا ، أصيبوا جميعا ، إن الأنبياء من بني إسرائيل كانوا إذا سموا الرجل على القوم ، فقالوا : إن أصيب فلان ففلان ، فلو سموا مائة أصيبوا جميعا . ثم جعل اليهودي يقول لزيد : اعهد فإنك لا ترجع أبدا ، إن كان محمد نبيا . فقال زيد : أشهد أنه نبي صادق بار رواه البيهقي .

            قال ابن إسحاق : فلما حضر خروجهم ، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم ، فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى ، فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار :وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ( مريم : 71 ) ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين . فقال عبد الله بن رواحة :


            لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا     أو طعنة بيدي حران مجهزة
            بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا     حتى يقال إذا مروا على جدثي
            أرشده الله من غاز وقد رشدا

            قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودعه ثم قال :


            فثبت الله ما آتاك من حسن     تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
            إني تفرست فيك الخير نافلة     الله يعلم أني ثابت البصر
            أنت الرسول فمن يحرم نوافله     والوجه منه فقد أزرى به القدر

            قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعهم ، حتى إذا ودعهم وانصرف قال عبد الله بن رواحة :


            خلف السلام على امرئ ودعته     في النخل خير مشيع وخليل

            وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مؤتة فاستعمل زيدا ، فإن قتل زيد فجعفر ، فإن قتل جعفر فابن رواحة ، فتخلف ابن رواحة ، فجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فرآه فقال : " ما خلفك ؟ " فقال : أجمع معك . قال : " لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها " .

            وعن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية ، فوافق ذلك يوم الجمعة . قال : فقدم أصحابه ، وقال : أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ، ثم ألحقهم . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال : " ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ " قال : فقال أردت أن أصلي معك الجمعة ، ثم ألحقهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت غدوتهم .

            وهذا الحديث قد رواه الترمذي من حديث أبي معاوية ، عن الحجاج - وهو ابن أرطاة - ثم علله الترمذي بما حكاه عن شعبة أنه قال : لم يسمع الحكم عن مقسم إلا خمسة أحاديث ، وليس هذا منها .

            قلت : والحجاج بن أرطاة في روايته نظر . والله أعلم . والمقصود من إيراد هذا الحديث ، أنه يقتضي أن خروج الأمراء إلى مؤتة كان في يوم جمعة . والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية