الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ أسماء من أمر الرسول بقتلهم يوم الفتح وسبب ذلك ] قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم

            : عبد العزى بن خطل - بفتح الخاء المعجمة ، والطاء المهملة ، وآخره لام وكان قد أسلم ، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وهاجر إلى المدينة ، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيا ، وبعث معه رجلا من خزاعة ، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في مجمع - والمجمع حيث تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة - فأمره أن يصنع له طعاما ، ونام نصف النهار ، واستيقظ ، والخزاعي نائم ، ولم يصنع له شيئا ، فعدى عليه فضربه فقتله ، وارتد عن الإسلام ، وهرب إلى مكة ، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له قينتان ، وكانتا فاسقتين ، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

            وعن أنس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح على رأسه المغفر ، فلما نزعه جاء رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اقتلوه” رواه الإمام مالك والشيخان .

            قال محمد بن عمر : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي طوى ، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدججا في الحديد على فرس وبيده قناة ، فمر ببنات سعيد بن العاص فقال لهن : أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد ،

            ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة ، فرأى خيل الله ، ورأى القتال فدخله رعب ، حتى ما يستمسك من الرعدة ، فرجع حتى انتهى إلى الكعبة ، فنزل عن فرسه ، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره ، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه ، ولحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم بالحجون .

            وعبد الله بن سعد بن أبي سرح - بفتح السين ، وإسكان الراء ، وبالحاء المهملات - كان أسلم ، ثم ارتد ، فشفع فيه عثمان يوم الفتح ، فحقن دمه ، وأسلم بعد ذلك فقبل إسلامه ، وحسن إسلامه بعد ذلك ، وولاه عمر بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان ، ومات وهو ساجد في صلاة الصبح ، أو بعد انقضائها ، وكان أحد النجباء الكرماء العقلاء من قريش ، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم ، [ سبب أمر الرسول بقتل عبد الله بن سعد وشفاعة عثمان فيه ]

            وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركا راجعا إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة ، فاستأمن له : فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلا ، ثم قال : نعم ؟ فلما انصرف عنه عثمان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه : لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال : إن النبي لا يقتل بالإشارة . وفيها من الفقه جواز قتل المرتد الذي تغلظت ردته من غير استتابة ، فإن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد أسلم وهاجر ، وكان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد ولحق بمكة ، فلما كان يوم الفتح أتى به عثمان بن عفان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبايعه فأمسك عنه طويلا ، ثم بايعه وقال : ( إنما أمسكت عنه ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ، فقال له رجل : هلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال : ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ) فهذا كان قد تغلظ كفره بردته بعد إيمانه وهجرته وكتابة الوحي ثم ارتد ولحق بالمشركين يطعن على الإسلام ويعيبه ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد قتله ، فلما جاء به عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله حياء من عثمان ، ولم يبايعه ليقوم إليه بعض أصحابه فيقتله ، فهابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقدموا على قتله بغير إذنه ، واستحيى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عثمان ، وساعد القدر السابق لما يريد الله سبحانه بعبد الله مما ظهر منه بعد ذلك من الفتوح ، فبايعه وكان ممن استثنى الله بقوله : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) [ آل عمران : 86 - 89 ] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ) ، أي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخالف ظاهره باطنه ، ولا سره علانيته ، وإذا نفذ حكم الله وأمره لم يوم به ، بل صرح به ، وأعلنه ، وأظهره .

            وعكرمة بن أبي جهل ، أسلم فقبل إسلامه .

            والحويرث - بالتصغير - بن نقيدر بضم النون ، وفتح القاف ، وسكون التحتية ، فدال مهملة ، فراء مهملة ، كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونخس بزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجرت إلى المدينة ، فأهدر دمه . فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه ، فسأل عنه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقيل هو بالبادية ، فأخبر الحويرث أنه يطلب ، فتنحى علي عن بابه ، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر ، فتلقاه علي ، فضرب عنقه .

            قال ابن هشام : وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة ، وأم كلثوم بنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الأرض .

            قال البلاذري - رحمه الله تعالى - وكان يعظم القول في رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وينشد الهجاء فيه ، ويكثر أذاه وهو بمكة .

            ومقيس . بميم ، فقاف ، فسين مهملة - بن صبابة ، بصاد مهملة ، وموحدتين ، الأولى خفيفة - ، كان أسلم ، ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله ، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد ، ظنه من العدو ، فجاء مقيس ، فأخذ الدية ، ثم قتل الأنصاري ، ثم ارتد ، فقتله نميلة - تصغير نملة - بن عبد الله يوم الفتح .

            فقالت أخت مقيس في قتله :


            لعمري لقد أخزى نميلة رهطه وفجع أضياف الشتاء بمقيس     فلله عينا من رأى مثل مقيس
            إذا النفساء أصبحت لم تخرس

            وهبار - بفتح الهاء ، وتشديد الموحدة بن الأسود ، أسلم ، وكان قبل ذلك شديد الأذى للمسلمين ، وعرض لزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجرت فنخس بها ، فأسقطت ، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت ، فلما كان يوم الفتح ، وبلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه ، فأعلن بالإسلام ، فقبله منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفا عنه .

            والحويرث بن الطلاطل الخزاعي ، قتله علي - رضي الله عنه - ذكره أبو معشر .

            وكعب بن زهير ، وجاء بعد ذلك فأسلم ، ومدح . ذكره الحاكم .

            ووحشي بن حرب ، وتقدم شأنه في غزوة أحد ، فهرب إلى الطائف ، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم .

            وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ، وكانت مغنية نواحة بمكة ، وكانت قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح ، وطلبت منه الصلة وشكت الحاجة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «ما كان في غنائك ما يغنيك ؟ ” فقالت : إن قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء ، فوصلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوقر لها بعيرا طعاما ، فرجعت إلى قريش .

            وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغني به . وهي التي وجد معها كتاب حاطب ابن أبي بلتعة ، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب ، وهي التي شقت عن كبد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت ، فعفا عنها .

            وأرنب مولاة ابن خطل ، وقينتان لابن خطل ، كانتا تغنيان بهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم إحداهما فرتنى - بفتح الفاء ، وسكون الراء وفتح الفوقية ، فنون ، فألف تأنيث مقصورة ، والأخرى قريبة - ضد بعيدة ، ويقال : هي أرنب السابقة ، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت ، وقتلت الأخرى .

            وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت ، وأن قريبة قتلت .

            وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق ، ويحتمل كما قال الحافظ - رحمه الله - تعالى - أن تكون أرنب ، وأم سعد القينتان . واختلف في اسمهما باعتبار الكنية واللقب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية