الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - الظهر بحنين وحكومته بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتله محلم بن جثامة

            كما سيأتي

            في نقل محمد بن إسحاق ، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوما بحنين ثم تنحى إلى شجرة فجلس إليها ، فقام إليه عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف فاختصما بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيينة يقول : يا رسول الله ، والله لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تأخذ الدية ؟ ” فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل - قصير مجتمع عليه شكة كاملة ودرقة في يده فقال : يا رسول الله ، إني لم أجد لما فعل هذا شبها في غرة الإسلام إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها . فاسنن اليوم وغيره غدا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده وقال تقبلون الدية خمسين في فورنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة” فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقوم حتى قبلوا الدية

            وفي رواية : فقام الأقرع بن حابس فقال : يا معشر قريش ، سألكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه ، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيغضب الله - تعالى عليكم - لغضبه ، أو يلعنكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيلعنكم الله تعالى بلعنته ، والله لتسلمنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ليأتين بخمسين من بني ليث كلهم يشهدون أن القتيل ما جلي قط فلأبطلن دمه . فلما قال ذلك قبلوها . ومحلم القاتل في طرف الناس ، فلم يزالوا يؤزونه ويقولون : ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك ، فقام محلم وهو رجل ضرب طويل آدم . محمر بالحناء عليه حلة قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص ،

            فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيناه تدمعان ، فقال : يا رسول الله ، قد كان من الأمر الذي بلغك وإني أتوب إلى الله ، فاستغفر لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما اسمك” قال : أنا محلم بن جثامة . فقال «أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام ؟ ! اللهم لا تغفر لمحلم” بصوت عال ينفذ به الناس ، قال فعاد محلم فقال : يا رسول الله ، قد كان الذي بلغك ، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي ، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته بصوت عال ، ينفذ به الناس «اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة” حتى كانت الثالثة ، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته ، ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم «قم من بين يدي” فقام من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ،

            فكان ضمرة السلمي يحدث - وقد كان حضر ذلك اليوم - قال : كنا نتحدث فيما بيننا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرك شفتيه بالاستغفار له ، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدم عند الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية