الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خرج عبد الله بن أنيس من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي

            [ مقتل ابن نبيح ]

            وغزوة عبد الله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله .

            قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : قال عبد الله بن أنيس : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله . قلت : يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه . قال : إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة . قال : فخرجت متوشحا سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ؛ فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه ، وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشي نحوه ، أومئ برأسي ، فلما انتهيت إليه ، قال : من الرجل ؟ قلت : رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك .

            قال : أجل ، إني لفي ذلك . قال : فمشيت معه شيئا ، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ، ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ؛ فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، قال : أفلح الوجه ؛ قلت : قد قتلته يا رسول الله . قال : صدقت
            . [ إهداء الرسول عصا لابن أنيس ]

            ثم قام بي ، فأدخلني بيته ، فأعطاني عصا ، فقال : أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس . قال : فخرجت بها على الناس ، فقالوا : ما هذه العصا ؟ قلت : أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي . قالوا : أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟ قال : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ؟ قال : آية بيني وبينك يوم القيامة . إن أقل الناس المتخصرون يومئذ ، قال : فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا . [ شعر بن أنيس في قتله ابن نبيح ]

            قال ابن هشام : وقال عبد الله بن أنيس في ذلك :


            تركت ابن ثور كالحوار وحوله نوائح تفري كل جيب مقدد     تناولته والظعن خلفي وخلفه
            بأبيض من ماء الحديد مهند     عجوم لهام الدارعين كأنه
            شهاب غضى من ملهب متوقد     أقول له والسيف يعجم رأسه
            أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد     أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره
            رحيب فناء الدار غير مزند     وقلت له خذها بضربة ماجد
            حنيف على دين النبي محمد     وكنت إذا هم النبي بكافر
            سبقت إليه باللسان وباليد



            تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث . قلت -ابن كثير رحمه الله تعالى- : عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام ، أبو يحيى الجهني ، صحابي مشهور كبير القدر ، كان فيمن شهد العقبة ، وشهد أحدا والخندق وما بعد ذلك ، وتأخر موته بالشام إلى سنة ثمانين على المشهور وقيل : توفي سنة أربع وخمسين . والله أعلم . وقد فرق علي بن المديني وخليفة بن خياط بينه وبين عبد الله بن أنيس أبي عيسى الأنصاري ، الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا يوم أحد بإداوة فيها ماء ، فخنث فمها وشرب منها ، كما رواه أبو داود والترمذي ، من طريق عبد الله العمري ، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه . ثم قال الترمذي : وليس إسناده يصح

            التالي السابق


            الخدمات العلمية