الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: قل اللهم مالك الملك فيه ثلاثة تأويلات: [ ص: 384 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: يريد به ملك أمر الدنيا والآخرة. والثاني: مالك العباد وما ملكوه ، قاله الزجاج . والثالث: مالك النبوة ، قاله مجاهد . تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن الملك هنا النبوة ، قاله مجاهد . والثاني: أنه الإيمان. والثالث: أنه السلطان. روى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته ، فأنزل الله هذه الآية. وتعز من تشاء وتذل من تشاء يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: تعز من تشاء بالطاعة ، وتذل من تشاء بالمعصية. والثاني: تعز من تشاء بالنصر ، وتذل من تشاء بالقهر. والثالث: تعز من تشاء بالغنى ، وتذل من تشاء بالفقر. بيدك الخير أي أنت قادر عليه ، وإنما خص الخير بالذكر وإن كان قادرا على الخير والشر ، لأنه المرغوب في فعله. قوله تعالى: تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل فيه قولان: أحدهما: معناه تدخل نقصان الليل في زيادة النهار ، ونقصان النهار في زيادة الليل ، وهو قول جمهور المفسرين. والثاني: أن معناه تجعل الليل بدلا من النهار ، وتجعل النهار بدلا من الليل ، وهو قول بعض المتأخرين. وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي قرأ نافع وحمزة والكسائي: (الميت) بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف. [ ص: 385 ]

                                                                                                                                                                                                                                        واختلفوا في معناه بالتخفيف والتشديد ، فذهب الكوفيون إلى أن الميت بالتخفيف الذي قد مات ، وبالتشديد الذي لم يمت بعد. وحكى أبو العباس عن علماء البصريين بأسرهم أنهما سواء ، وأنشد لابن الرعلاء القلابي:


                                                                                                                                                                                                                                        ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء     إنما الميت من يعيش كئيبا
                                                                                                                                                                                                                                        كاسفا باله قليل الرجاء



                                                                                                                                                                                                                                        وفي تأويل إخراج الحي من الميت قولان: أحدهما: أنه يخرج الحيوان الحي في النطفة الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الحيوان الحي ، وهذا قول ابن مسعود ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي . والثاني: أنه يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن ، وهذا قول الحسن . وقال قتادة : وإنما سمى الله يحيى بن زكريا بيحيى لأن الله عز وجل أحياه بالإيمان. وترزق من تشاء بغير حساب فيه ثلاثة أقاويل مضت.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية