الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [72-74] والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      والله جعل لكم من أنفسكم أي : في جنسكم وشكلكم إناثا أزواجا لتأنسوا بها وتحصل المودة والألفة والرحمة : وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة أي : بنات وأولاد أولاد : ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وهو منفعة الأصنام وشفاعتها : وبنعمت الله هم يكفرون أي : في إضافة نعمه إلى الأصنام ، أو في تحريم ما أحل لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا أي : من مطر أو نبات و ( شيئا ) نصب على المفعولية من ( رزق ) إن كان مصدرا ، وإن جعل اسما للمرزوق فـ ( شيئا ) بدل منه بمعنى قليلا . و ( من السماوات ) متعلق بـ ( يملك ) على كون الرزق مصدرا . أو هو صفة لـ ( رزقا ) : ولا يستطيعون أي : أن يتملكوه . أو لا استطاعة لهم أصلا . أو الضمير للمشركين . أي : ولا يستطيعون مع أنهم أحياء متصرفون فكيف بالجماد ؟ ! .

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تضربوا لله الأمثال أي : فلا تجعلوا له أندادا وأمثالا . والضرب للمثل فيه معنى الجعل . والأمثال جمع ( مثل ) بكسر فسكون على هذا ، وقيل : جمع ( مثل ) بفتحتين ، والآية استعارة تمثيلية للإشراك به . حيث جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه ، بمنزلة ضارب المثل . [ ص: 3834 ] فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة ، وذاتا بذات . كما أن ضارب المثل كذلك . فكأنه قيل : ولا تشركوا . وعدل عنه لما ذكر ؛ دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفا وذاتا . وفي لفظة ( الأمثال ) لمن لا مثال له ، نعي عظيم على سوء فعلهم . كذا في (" شرح الكشاف ") .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون أي : يعلم قبح ما تشركون وأنتم لا تعلمونه . ولو علمتموه لما جرأتم عليه ، فهو تعليل للنهي . أو يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه ، فدعوا رأيكم وقياسكم دون نصه . ولما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي وهو الإشراك ؛ عقبه بالكشف لذي البصيرة ، عن حالهم في تلك الغفلة ، وحال من تابعهم ، بقوله سبحانه :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية