الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 127 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ( وهو الذي أرسل الرياح ) وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس . ( نشرا ) ناشرات للحساب جمع نشور ، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم ( بشرا ) تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر ( بين يدي رحمته ) يعني قدام المطر . ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) مطهرا لقوله ( ليطهركم به ) . وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به .

                                                                                                                                                                                                                                        قال عليه الصلاة والسلام «التراب طهور المؤمن » ، «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب » .

                                                                                                                                                                                                                                        وقيل بليغا في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب ، وتوصيف الماء به إشعارا بالنعمة فيه وتتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته ، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى .

                                                                                                                                                                                                                                        ( لنحيي به بلدة ميتا ) بالنبات وتذكير ( ميتا ) لأن البلدة في معنى البلد ، ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجري مجرى الجامد . ( ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ) يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسي ، وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار ، والمنافع فيهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا مع أن مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة ، فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام قنية الإنسان وعامة منافعهم وعلية معايشهم منوطة بها ، ولذلك قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها ، وقرئ «نسقيه » بالفتح وسقى وأسقى لغتان ، وقيل أسقاه جعل له سقيا «وأناسي » بحذف ياء وهو جمع إنسي أو إنسان كظرابي في ظربان على أن أصله أناسين فقلبت النون ياء .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية