الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولبن الميتة وإنفحتها نجسة في ظاهر المذهب ، وعظمها ، وقرنها ، وظفرها نجس ، وصوفها وشعرها وريشها طاهر .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولبن الميتة وإنفحتها ) بكسر الهمزة ، وفتح الفاء مخففة - ذكره الجوهري ، ويقال أيضا : منفحة ( نجسة في ظاهر المذهب ) هذا هو المنصور عند أصحابنا ، روى سعيد بن منصور : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، أن ابن عباس سئل عن [ ص: 75 ] الجبن يصنع فيه أنافح الميتة ، فقال : لا تأكلوه ، وقال ابن مسعود : لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون ، وأهل الكتاب ، رواه البيهقي ، وروي عن عمر وابنه مثله ، ولأنه مائع في وعاء نجس ، أشبه ما لو حلب في إناء نجس ، والثانية : أنهما طاهران ، لأن الصحابة فتحوا بلاد المجوس ، وأكلوا من جبنهم ، مع علمهم بنجاسة ذبائحهم ، لأن الجبن إنما يصنع بها ، واللبن لا ينجس بالموت إذ لا حياة فيه ، والأول أولى ، لأن في صحة ما نقل عن الصحابة نظرا ، ولو سلم صحته ، فكان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم ، فلا يتحقق القول بالنجاسة ، وفي " الكافي " ، و " الشرح " أن الجبن نجس ، والخلاف في الإنفحة ، والأشهر أن الخلاف فيهما ، وقيل : هما في محلهما نجسان ، وبعد أخذهما طاهران .

                                                                                                                          فرع : إذا صلب قشر بيضة فطاهرة ، لأنه لا يصل إليها شيء من النجاسات أشبه ما لو غمست في ماء نجس ، وإن لم تكمل البيضة ، فقال أصحابنا : ما كان قشرها أبيض ، فهو طاهر ، وإلا فهو نجس ، لأن الحاجز غير حصين ، وقال ابن عقيل : لا ينجس ، لأن جمودها ، وغشاوتها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النجاسة إليها ، والأول أشهر ، فعلى النجاسة إن صارت فرخا فهو طاهر .

                                                                                                                          ( وعظمها ، وقرنها ، وظفرها ) وسنها ، وحافرها ، وعصبها ( نجس ) نص على ذلك من مأكول ، أو غيره ، كالفيل لقوله تعالى حرمت عليكم الميتة [ المائدة 3 ] ، والعظم من جملتها ، فيكون محرما ، وعنه : طاهر وفاقا لأبي حنيفة ، لأن [ ص: 76 ] الموت لا يحلها ، فلا تنجس بالموت كالشعر ، وقد روى أبو داود بإسناده عن ثوبان : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا ثوبان ، اشتر لفاطمة قلادة من عصب ، وسوارين من عاج .

                                                                                                                          والعاج هو عظم الفيل ، وقال مالك : إن ذكي الفيل فعظمه طاهر ، وإلا فهو نجس ، لأن الفيل مأكول عنده ، فعلى هذا يجوز بيعه ، واختاره ابن وهب المالكي فقيل : لأنه لا حياة فيه ، وقيل : - وهو أصح - لأن سبب التنجيس وهي الرطوبة منتفية ، والأول أولى ، لأن الحياة تحله ، فينجس بالموت ، كالجلد بدليل قوله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم الآية [ يس 78 ] ، وبدليل الإحساس والألم ، وهو في العظام أشد منه في اللحم ، والضرس يألم ، ويلحقه القرس ، ويحس ببرودة الماء وحرارته ، وحديث ثوبان فيه حميد الشامي ، وسئل عنه أحمد ، وابن معين فقالا : ولو سلم ، فقال الخطابي ، عن الأصمعي : العاج الذبل ، وقيل : هو عظم السلحفاة البحرية ، وقيل : العصب كالشعر ، لأنه ليس فيه رطوبة منجسة ، وحكم ما ذكرنا إن أخذ من مذكى فهو طاهر ، وإن أخذ من حي فهو نجس ، لقوله عليه السلام : ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب ، وكذا ما يسقط من قرون الوعول في حياتها ، وفي " المغني " ، و " الشرح " احتمال بطهارته كالشعر ، وأما ما لا ينجس بالموت كالسمك فلا بأس بعظامه .

                                                                                                                          ( وصوفها ، وشعرها ، وريشها طاهر ) يعني الميتة الطاهرة في الحياة ، وإلا فالنجسة فيها لا يزيدها الموت إلا خبثا ، وهذا هو الأشهر عن أحمد ، نقل الميموني : صوف الميتة ما أعلم أحدا كرهه ، وعليه أصحابه ، لقوله [ ص: 77 ] تعالى ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها الآية [ النحل 80 ] ، وهي في سياق الامتنان ، فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت ، ولحديث ابن عباس في شاة ميمونة ، وعن أحمد : أنها نجسة ، أومأ إليه في شعر الآدمي الحي ، واختارها الآجري ، ومن ثم حكاية صاحب " التلخيص " الخلاف في شعر غير الآدمي ، والقطع بالطهارة فيه غريب ، ولما تقدم من حديث عبد الله بن عكيم : لا تنتفعوا من الميتة بشيء ، ولعموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة 3 ] ، وجوابه : بأن المراد بالآية : الحياة الحيوانية ، ومن خاصيتها الحس والحركة الإرادية ، وهما منفيان في الشعر ، ووبر كشعر ، ودخل في قولنا : الميتة الطاهرة في الحياة شعر الهرة ونحوها ، واختاره المؤلف ، وابن عقيل ، وقيل بنجاسته بعد الموت لزوال علة الطواف به ، وجعل القاضي الخلاف في المنفصل في حياته أيضا ، وألحق ابن البنا بذلك سباع البهائم إذا قلنا بطهارتها ، فأما أصول الشعر والريش إذا نتف من الميتة وهو رطب ، فهو نجس برطوبة الميتة ، وهل يطهر بالغسل ؛ فيه وجهان ، ونقل أبو طالب : ينتفع بصوفها إذا غسل قيل : فريش الطير ؛ قال : هذا أبعد ، وحرم في " المستوعب " نتف ذلك من حي لإيلامه ، وكرهه في " النهاية " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية