الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ويدع الإنسان بالشر قال شيخ الإسلام: بيان لحال المهدي إثر بيان حال الهادي، وإظهار لما بينهما من التباين، والمراد بالإنسان الجنس، أسند إليه حال بعض أفراده وهو الكافر، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه كما يقتضيه ما روي عن الحسن ومجاهد فالمعنى على الأول: أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم، وهو أي بعض أفراده أعني الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ومن قال: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين إلى غير ذلك مما حكي عنهم، وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازا كما هو ديدن كلهم، وبعضهم جعل الدعاء باللسان مجازا أيضا عن الاستعجال استهزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      دعاءه أي دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية، وهو مراد من قال: مثل دعائه بالخير المذكور فرضا لا تحقيقا؛ فإنه بمعزل عن الدعاء به، وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الإنسان أي: من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده عجولا يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره أو مبالغا في العجلة يستعجل الشر والعذاب، وهو آتيه لا محالة، ففيه نوع تهكم به، وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تجعل العجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال، والمعنى على الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر، وكان الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه.

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الواقدي في المغازي عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير وقال لها: احتفظي به [ ص: 24 ] قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقلت: والله لا أدري وغفلت عنه فخرج فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      قطع الله يدك، ثم خرج عليه الصلاة والسلام فصاح به فخرجوا في طلبه حتى وجدوه ثم دخل علي فرآني وأنا أقلب يدي فقال: ما لك؟ قلت: أنتظر دعوتك. فرفع يديه وقال: اللهم إنما أنا بشر آسف وأغضب كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوتك عليه بدعوة فاجعلها له زكاة وطهرا».


                                                                                                                                                                                                                                      أو يدعو بما هو شر ويحسبه خيرا، وكان الإنسان عجولا، غير مستبصر لا يتدبر في أموره حق التدبر، ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به وهو شر جدير بالاستعاذة منه اه. مع بعض زيادة وتغيير.

                                                                                                                                                                                                                                      واختار إرادة الكافر من الإنسان الأول بعض المحققين، وذكر في وجه ربط الآيات أنه تعالى لما شرح ما خص به نبيه صلى الله عليه وسلم من الإسراء وإيتاء موسى عليه السلام التوراة وما فعله بالعصاة المتمردين من تسليط البلاء عليهم كان ذلك تنبيها على أن طاعة الله تعالى توجب كل خير وكرامة ومعصيته سبحانه توجب كل بلية وغرامة، لا جرم قال: إن هذا القرآن يهدي إلخ ثم عطف عليه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية