الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نـزلا قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا

                                                          انتهت الآيات السابقة ببناء إسكندر ذي القرنين للسد؛ وكان ذو القرنين صورة للحاكم المجاهد؛ الذي يعمل لمصلحة من يحكمهم؛ يجلب الخير لهم؛ ويعمل ما يصلحهم؛ ويدفع الفساد والمفسدين؛ وقد دفعه؛ وترك يأجوج ومأجوج يفسدون فيما بينهم؛ ولقد قال (تعالى) - بعد أن ذكر بناء الحاكم الصالح للسد؛ وإحكام بنيانه -: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا الضمير في "بعضهم "؛ يعود إلى يأجوج ومأجوج؛ فانحصر شرهم؛ ولم يتعد فسادهم إلى غيرهم؛ فالجماعة الشريرة إذا لم يمكن إصلاحها؛ يكون علاج الناس بالوقاية منها؛ وإبعادهم عنها. [ ص: 4592 ] ويصح أن يكون الضمير في "بعضهم "؛ يعود إلى الخلق؛ على أساس أنه حاضر في العقل معنى المخلوقات؛ وقد ساق ذلك الرأي الزمخشري ؛ على أنه هو الظاهر المتبادر؛ وغيره هو غير الظاهر؛ وغير المتبادر؛ ويكون المعنى على أن الضمير يعود إلى الخلق؛ أن الله (تعالى) خلق الناس بغرائز قد تتعارض رغباتها؛ فيكون منهم المسيء؛ ويكون المحسن؛ ويتنازعون؛ أو يتخالفون؛ أو يعتدي بعضهم على بعض؛ حتى يكون يوم الفصل؛ ودعوة الجميع إلى الحشر.

                                                          وقوله (تعالى): "يومئذ "؛ أي: في الدنيا؛ حيث الاختبار؛ والتدافع بين الحق؛ والباطل؛ والخير؛ والشر؛ والصلاح والفساد؛ وقوله: يموج في بعض أي أن بعضهم يتدافع مع البعض؛ تدافع الأمواج؛ وهي مصطحبة؛ فيتدافع الأخيار مع الأشرار تدافع الأمواج؛ يدفع بعضها بعضا؛ وهي تعلو وتنخفض؛ حتى يدعوا جميعا إلى الله (تعالى)؛ وعبر عن ذلك بقوله: ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا أي: ناديناهم؛ كما ينادي القائد الجند؛ فينفخ في الصور؛ فيجمعهم جمعا؛ لا يتخلف منهم أحد؛ وقد شبه في هذا إعادة الناس؛ والبعث؛ والنشور؛ وخروجهم من فورهم من كل حدب ينسلون؛ بالقائد عندما ينفخ في البوق للجند؛ وفي هذا إشعار بأن البعث لا يكون بأكثر من قول الله (تعالى): "كن "؛ فيكون؛ وقوله (تعالى): فجمعناهم جمعا فيه أمران بيانيان؛ الأمر الأول: أنه عبر بالماضي؛ وهو للمستقبل؛ لتأكيد الوقوع؛ الأمر الثاني: أنه ذكر المصدر لتأكيد أن البعث يعم الجميع؛ ولا يتخلف عنه أحد؛ وإنه عقب البعث تكون القيامة؛ وتكون الحقائق مرئية لهم بالعيان; ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية