الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى نفس العقد فهو أن يكون القبول موافقا للإيجاب ، بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع وبما أوجبه ، فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعض ما أوجبه أو بغير ما أوجبه أو ببعض ما أوجبه ; لا ينعقد من غير إيجاب مبتدإ موافق بيان هذه الجملة إذا أوجب البيع في العبد فقبل في الجارية ، لا ينعقد ، وكذا إذا أوجب في العبدين فقبل في أحدهما بأن قال : بعت منك هذين العبدين بألف درهم فقال المشتري : قبلت في هذا العبد وأشار إلى واحد معين لا ينعقد ; لأن القبول في أحدهما تفريق الصفقة على البائع ، والصفقة إذا وقعت مجتمعة من البائع لا يملك المشتري تفريقها قبل التمام ; لأن من عادة التجار ضم الرديء إلى الجيد ترويجا للرديء بواسطة الجيد فلو ثبت للمشتري ولاية التفريق لقبل في الجيد دون الرديء فيتضرر به البائع ، والضرر منفي ; ولأن غرض الترويج لا يحصل إلا بالقبول فيهما جميعا فلا يكون راضيا بالقبول في أحدهما ; ولأن القبول في أحدهما يكون إعراضا عن الجواب بمنزلة القيام عن المجلس ، وكذا لو أوجب البيع في كل العبد ، فقبل المشتري في نصفه ، لا ينعقد ; لأن البائع يتضرر بالتفريق ; لأنه يلزمه عيب الشركة ، ثم إذا قبل المشتري بعض ما أوجبه البائع ; كان هذا شراء مبتدأ من البائع ، فإن اتصل به الإيجاب من البائع في المجلس فينظر إن كان للبعض الذي قبله المشتري حصة معلومة من الثمن جاز ، وإلا فلا بيانه إذا قال : بعت منك هذين الكرين بعشرين درهما فقبل المشتري في أحدهما وأوجب البائع ; جاز ; لأن الثمن ينقسم على المبيع باعتبار الأجزاء فيما له مثل ، فكان بيع الكرين بعشرين بيع كل كر بعشرة لتماثل قفزان الكرين ، وكذلك إذا قال : بعت منك هذين العبدين بألف درهم ، فقبل المشتري في أحدهما ، وبين ثمنه فقال البائع : بعت يجوز ، فأما إذا لم يبين ثمنه لا يجوز ، وإن ابتدأ البائع الإيجاب ، بخلاف مسألة الكرين وسائر الأشياء المتماثلة ، لما ذكرنا أن الثمن في المثليات ينقسم على المبيع باعتبار الأجزاء فكان حصة كل واحد معلوما ، وفيما لا مثل له لا ينقسم الثمن على المبيع باعتبار الأجزاء لانعدام تماثل الأجزاء وإذا لم [ ص: 137 ] ينقسم بقيت حصة كل واحد منهما من الثمن مجهولة ، وجهالة الثمن تمنع صحة البيع ، هذا إذا لم يبين البائع حصة كل واحد من العبدين بأن قال : بعت منك هذين العبدين بألف درهم ، فأما إذا بين بأن قال : بعت منك هذين العبدين هذا بألف ، وهذا بخمسمائة ، فقبل المشتري في أحدهما دون الآخر ; جاز البيع لانعدام تفريق الصفقة من المشتري ، بل البائع هو الذي فرق الصفقة حيث سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة وعلم أنه لا ضرر له فيه ، ولو كان فهو ضرر مرضي به ، وأنه غير مدفوع ، وكذا إذا أوجب البيع في شيء بألف فقبل فيه بخمسمائة لا ينعقد ، وكذا لو أوجب بجنس ثمن فقبل بجنس آخر ، إلا إذا رضي البائع به في المجلس وعلى هذا إذا خاطب البائع رجلين فقال : بعتكما هذا العبد ، أو هذين العبدين ، فقبل أحدهما دون الآخر ، لا ينعقد ; لأنه أضاف الإيجاب في العبدين أو عبد واحد إليهما جميعا فلا يصلح جواب أحدهما جوابا للإيجاب ، وكذا لو خاطب المشتري رجلين فقال : اشتريت منكما هذا العبد بكذا ، فأوجب في أحدهما لم ينعقد لما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية