(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )
اعلم أن هذا من بقية الجواب عن الكلام الأول ، والتقدير : وكيف أخاف الأصنام التي لا قدرة لها على النفع والضر ، وأنتم لا تخافون من الشرك الذي هو أعظم الذنوب . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) فيه
[ ص: 50 ] وجهان :
الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) كناية عن امتناع وجود الحجة والسلطان في مثل هذه القصة . ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ) [ المؤمنون : 117 ] والمراد منه امتناع حصول البرهان فيه .
والثاني : أنه لا يمتنع عقلا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للدعاء والصلاة فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) معناه : عدم ورود الأمر به . وحاصل هذا الكلام : ما لكم تنكرون علي الأمن في موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف ؟ ولم يقل : فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم ؟ احترازا من تزكية نفسه فعدل عنه إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81فأي الفريقين ) يعني فريقي المشركين والموحدين . ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) وهذا من تمام كلام
إبراهيم في المحاجة ، والمعنى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30495_29680_29676الذين حصل لهم الأمن المطلق هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين :
أولهما : الإيمان وهو كمال القوة النظرية .
وثانيهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) وهو كمال القوة العملية .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) اعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية من وجه ،
والمعتزلة يتمسكون بها من وجه آخر .
أما وجه تمسك أصحابنا فهو أن نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28648_25986إنه تعالى شرط في الإيمان الموجب للأمن عدم الظلم ، ولو كان ترك الظلم أحد أجزاء مسمى الإيمان لكان هذا التقييد عبثا ، فثبت أن الفاسق مؤمن وبطل به قول
المعتزلة ، وأما وجه تمسك
المعتزلة بها فهو أنه تعالى شرط في حصول الأمن حصول الأمرين ، الإيمان وعدم الظلم ، فوجب أن لا يحصل الأمن للفاسق وذلك يوجب حصول الوعيد له .
وأجاب أصحابنا عنه من وجهين :
الوجه الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) المراد من الظلم الشرك ، لقوله تعالى حكاية عن
لقمان إذ قال لابنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] فالمراد ههنا الذين آمنوا بالله ولم يثبتوا لله شريكا في المعبودية .
والدليل على أن هذا هو المراد أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في
nindex.php?page=treesubj&link=29705نفي الشركاء والأضداد والأنداد ، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات ، فوجب حمل الظلم ههنا على ذلك .
الوجه الثاني في الجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28652وعيد الفاسق من أهل الصلاة يحتمل أن يعذبه الله ، ويحتمل أن يعفو عنه ، وعلى كلا التقديرين : فالأمن زائل والخوف حاصل ، فلم يلزم من عدم الأمن القطع بحصول العذاب ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْجَوَابِ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَكَيْفَ أَخَافُ الْأَصْنَامَ الَّتِي لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ ، وَأَنْتُمْ لَا تَخَافُونَ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) فِيهِ
[ ص: 50 ] وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) كِنَايَةٌ عَنِ امْتِنَاعِ وُجُودِ الْحُجَّةِ وَالسُّلْطَانِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 117 ] وَالْمُرَادُ مِنْهُ امْتِنَاعُ حُصُولِ الْبُرْهَانِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنْ يُؤْمَرَ بِاتِّخَاذِ تِلْكَ التَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) مَعْنَاهُ : عَدَمُ وُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ . وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ : مَا لَكُمْ تُنْكِرُونَ عَلَيَّ الْأَمْنَ فِي مَوْضِعِ الْأَمْنِ ، وَلَا تُنْكِرُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْأَمْنَ فِي مَوْضِعِ الْخَوْفِ ؟ وَلَمْ يَقُلْ : فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أَنَا أَمْ أَنْتُمْ ؟ احْتِرَازًا مِنْ تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ) يَعْنِي فَرِيقَيِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُوَحِّدِينَ . ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْجَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) وَهَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ
إِبْرَاهِيمَ فِي الْمُحَاجَّةِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30495_29680_29676الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ الْأَمْنُ الْمُطْلَقُ هُمُ الَّذِينَ يَكُونُونَ مُسْتَجْمِعِينَ لِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ :
أَوَّلُهُمَا : الْإِيمَانُ وَهُوَ كَمَالُ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ .
وَثَانِيهِمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) وَهُوَ كَمَالُ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهٍ ،
وَالْمُعْتَزِلَةَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ .
أَمَّا وَجْهُ تَمَسُّكِ أَصْحَابِنَا فَهُوَ أَنْ نَقُولَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28648_25986إِنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْإِيمَانِ الْمُوجِبِ لِلْأَمْنِ عَدَمَ الظُّلْمِ ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُ الظُّلْمِ أَحَدَ أَجْزَاءِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ لَكَانَ هَذَا التَّقْيِيدُ عَبَثًا ، فَثَبَتَ أَنَّ الْفَاسِقَ مُؤْمِنٌ وَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَمَّا وَجْهُ تَمَسُّكِ
الْمُعْتَزِلَةِ بِهَا فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ ، الْإِيمَانِ وَعَدَمِ الظُّلْمِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْأَمْنُ لِلْفَاسِقِ وَذَلِكَ يُوجِبُ حُصُولَ الْوَعِيدِ لَهُ .
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) الْمُرَادُ مِنَ الظُّلْمِ الشِّرْكُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
لُقْمَانَ إِذْ قَالَ لِابْنِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [ لُقْمَانَ : 13 ] فَالْمُرَادُ هَهُنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الْمَعْبُودِيَّةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29705نَفْيِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ الظُّلْمِ هَهُنَا عَلَى ذَلِكَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28652وَعِيدَ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعَذِّبَهُ اللَّهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ : فَالْأَمْنُ زَائِلٌ وَالْخَوْفُ حَاصِلٌ ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ الْأَمْنِ الْقِطَعُ بِحُصُولِ الْعَذَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .