الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى أمر الله (تعالى) نبيه بالصبر؛ وأمره بما يقوله؛ وهو أن يكون مستحضرا لله (تعالى)؛ منزها له؛ حامدا في الصلاة وغيرها؛ ونهاه عما يضعف الإرادة؛ وهو النظر إلى زخارف الدنيا وزينتها؛ وما عليه أهلها؛ ثم بين - سبحانه - أن الصلاة الدائمة المستمرة هي عدة المؤمنين؛ وعدة الصابرين؛ وأنه يجب أن يكون المؤمن في جو الصلاة؛ بأن يكون بيته مقيما للصلوات؛ فقال (تعالى): وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها قال بعض العلماء: أهل النبي هم أهل بيته؛ أو ذوو قرابته؛ وذلك ظاهر بين؛ وأمرهم بجعل بيت النبي جوه كله مقيم للصلاة؛ والصلاة والصبر توأمان؛ كما قال (تعالى) - فيما تلونا -: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ؛ [ ص: 4814 ] وقال آخرون: إن أهل النبي هم الذين اتبعوه؛ وقد كانوا في مكة والمدينة أسرته المختارة؛ حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - يقول - في سلمان الفارسي -: " سلمان منا آل البيت "؛ والذي أراه من هذين الرأيين أن أهله - صلى الله عليه وسلم - هم أهله الأقربون؛ الذين يعاشرونه؛ وأمره - صلى الله عليه وسلم - أمر لأمته؛ فالله - سبحانه وتعالى - يأمر كل مؤمن بأن يقيم دعائم بيته على أركان من التقوى والإيمان؛ والاتجاه إلى الله (تعالى)؛ وإنه لو تربى كل بيت على الإيمان والعبادة والاتجاه إلى الله (تعالى) - وأول أركان العبادة الصلاة - لتكون مجتمع صالح من أسر صالحة.

                                                          قال (تعالى): وأمر أهلك بالصلاة "الأمر "؛ هو الطلب الحازم القاطع؛ وأمر الأهل حيث يمكن التنفيذ؛ يكون بالتنفيذ والقدوة؛ فيعلم أولاده وأهله الصلاة؛ ويصلي معهم؛ ويرون فيه الأسوة الحسنة؛ التي يتبعونها؛ وقد أمره بملازمتها؛ بقوله - عز وجل -: واصطبر عليها "الاصطبار "؛ "افتعال "؛ من "الصبر "؛ وهو يدل على أنه يربي نفسه على قوة احتمالها؛ ورياضة النفس عليها بأدائها كاملة بخشوع وحضور؛ واستحضار لجلال الله (تعالى) علام الغيوب؛ وأنه يراه في عمله؛ وإن لم يكن هو يراه.

                                                          وإن هذه التربية على العبادة التي أجل مظهر لها إقامة الصلاة؛ فإن الصلاة عمود الدين؛ ولا دين من غير صلاة؛ كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليست هذه التربية لعائدة تعود على الله (تعالى)؛ فإن الله غني حميد؛ وإنما لتكوين أسرة صالحة؛ ومجتمع صالح وجيل صالح؛ ولذا يقول العزيز الحكيم: لا نسألك رزقا نحن نرزقك الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وخطابه - عليه الصلاة والسلام - خطاب لأمته كلها؛ وهذه الجملة تدل على أن غاية العبادة إصلاح العابدين؛ ولا يعود على الله منها شيء؛ فهو ليس بمحتاج؛ والناس يحتاجون إليه؛ وقد أكد - سبحانه وتعالى - هذا المعنى بقوله: [ ص: 4815 ] نحن نرزقك وإنما الأمر أمر إصلاحكم؛ وخلاصكم من أعلاق الأرض؛ ولهذا قال (تعالى): "والعاقبة للتقوى "؛ أي: والأمر الذي يعقب هذا الأمر بالصلاة؛ والاصطبار عليها؛ هو للتقوى المهذبة للنفوس الواقية لها من شرور إبليس وعداوته؛ والتقوى صفة المتقين؛ وإذا كانت العاقبة لهذه الصفة؛ فهي عاقبة لهم بوجود مجتمع طاهر نقي.

                                                          أخذ يبين بعد ذلك إنكار المنكرين؛ وهو أنهم يحسبون أن محمدا لم يأت بآية تدل على صدقه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية