1442 [ ص: 7 ] 25 كتاب الحج [ ص: 8 ] [ ص: 9 ] 25 - كتاب الحج 1 - باب: وقول الله تعالى: وجوب الحج وفضله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [آل عمران: 97].
1513 - حدثنا أخبرنا عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، رضي الله عنهما قال: عبد الله بن عباس الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: يا رسول الله، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع. إن فريضة الله على عباده في الحج [1854، 1855، 4399، 6228- مسلم: 1334 - فتح: 3 \ 378] كان
كتاب الحج
- باب وجوب الحج وفضله
- باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم
- باب الحج على الرحل
- باب فضل الحج المبرور
- باب فرض مواقيت الحج والعمرة
- باب قول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
- باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
- باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلوا قبل ذي الحليفة
- باب مهل أهل الشأم
- باب مهل أهل نجد
- باب مهل من كان دون المواقيت
- باب مهل أهل اليمن
- باب ذات عرق لأهل العراق
- باب الصلاة بذي الحليفة
- باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "العقيق واد مبارك"
- باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
- باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
- باب من أهل ملبدا
- باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
- باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
- باب الركوب والارتداف في الحج
- باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
- باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح قاله ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم
- باب رفع الصوت بالإهلال
- باب التلبية
- باب التسبيح والتحميد والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة
- باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة
- باب الإهلال مستقبل القبلة
- باب التلبية إذا انحدر في الوادي
- باب كيف تهل الحائض والنفساء
- باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم
- باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
- باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي
- باب من لبى بالحج وسماه
- باب
- باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
- باب الاغتسال عند دخول مكة
- باب دخول مكة نهارا أو ليلا بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح
- باب من أين يدخل مكة
- باب من أين يخرج من مكة
- باب فضل مكة وبنيانها
- باب فضل الحرم وقوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها
- باب توريث دور مكة وبيعها وشراؤها وأن الناس في مسجد الحرام سواء خاصة
- باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة
- باب قول الله تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا
- باب قول الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد
- باب كسوة الكعبة
- باب هدم الكعبة
- باب ما ذكر في الحجر الأسود
- باب من كبر في نواحي الكعبة
- باب كيف كان بدء الرمل
- باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا
- باب الرمل في الحج والعمرة
- باب استلام الركن بالمحجن
- باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
- باب تقبيل الحجر
- باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
- باب التكبير عند الركن
- باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة، قبل أن يرجع إلى بيته، ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى الصفا
- باب طواف النساء مع الرجال
- باب الكلام في الطواف
- باب إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه
- باب لا يطوف بالبيت عريان، [ولا يحج مشرك]
- باب إذا وقف في الطواف
- باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين
- باب من لم يقرب الكعبة، ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة، ويرجع بعد الطواف الأول
- باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد وصلى عمر رضي الله عنه خارجا من الحرم
- باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
- باب الطواف بعد الصبح والعصر
- باب المريض يطوف راكبا
- باب سقاية الحاج
- باب ما جاء في زمزم
- باب طواف القارن
- باب الطواف على وضوء
- باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
- باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
- باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة
- باب الإهلال من البطحاء، وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى
- باب أين يصلي الظهر يوم التروية؟
- باب الصلاة بمنى
- باب صوم يوم عرفة
- باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
- باب التهجير بالرواح يوم عرفة
- باب الوقوف على الدابة بعرفة
- باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
- باب قصر الخطبة بعرفة
- باب الوقوف بعرفة
- باب السير إذا دفع من عرفة
- باب النزول بين عرفة وجمع
- باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة، وإشارته إليهم بالسوط
- باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
- باب من جمع بينهما ولم يتطوع
- باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
- باب من قدم ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر
التالي
السابق
ذكر فيه حديث عن الزهري: عن سليمان بن يسار، قال: عبد الله بن عباس الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، [ ص: 10 ] أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع. كان
الشرح:
هذا الباب كذا هو هنا في الأصول، وقدم عليه كتاب الصوم ، وهو قريب ، فلنقتد بالجم الغفير، فنقول: قرئ في السبعة ابن بطال حج البيت بالفتح والكسر، فقيل: لغتان، وقيل: بالفتح المصدر وبالكسر الاسم، وقيل: عكسه ، وقال بالفتح القصد، وبالكسر القوم الحجاج، والحجة: المرة الواحدة، وبالكسر: التلبية والإجابة، وقيدها الجوهري بالكسر ، قال ابن السكيت: أبو موسى الحافظ: وهو من النوادر.
قلت: وأنكره قوم، وحكي عن أنه قال: يقال في كل شيء فعلت فعلة إلا في شيئين: حججت حجة ، رويته روية ، يعني إلى الغزو ، وقال الكسائي أبو إسحاق: والحج بفتح الحاء الأصل تقول: حججت الشيء أحجه حجا: إذا قصدته، والفتح والكسر اسم للعمل .
قلت: وأكثر القراء على الفتح، وفي "أمالي الهجري": الحج: أكثر العرب يكسرون الحاء فقط. قلت: ويجمع على حجج.
وقوله: ومن كفر أي: من أهل الملك أو: بفرضه، ونقله ابن التين عن أكثر المفسرين، أو هو من إن حج لم يره برا ، وإن حبس لم يره إثما، وفي حديث: "من حج لا يرجو ثوابه ولا يخاف عقابه فقد كفر" . قال [ ص: 11 ] عن سعيد بن جبير، لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة . عمر:
. وأصله في اللغة: القصد الآتي بيانه، وفي الشرع: قصد الكعبة للنسك وقام الإجماع ودلائل الكتاب والسنة على فرضيته، على آراء: أغربها: قبل الهجرة، وأقربها قولان: سنة خمس أو سنة ست، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وصححه واختلفوا متى فرض . القاضي عياض
وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة عشر، وهما غريبان، فصارت ستة أقوال غير الأول مرتبة على السنين، وسنة ست هو ما ذكره . البيهقي
وفي حديث ضمام بن ثعلبة ذكر الحج ، وقدومه سنة تسع كما قاله الطرطوسي، لكن قال
محمد بن حبيب: سنة خمس، . وقام الإجماع على أنه لا يتكرر إلا لعارض كنذر
فرع:
خلافا يجب الحج عندنا على التراخي للمزني ، ووفاقا للأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن وابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس.
وقال في رواية: وأبو مالك يوسف على الفور، وهو قول جمهور أصحاب ولا نص أبي حنيفة، في ذلك، قال لأبي حنيفة مذهبه يقتضي أنه على الفور، وهو الصحيح عندهم، وقال أبو يوسف: ابن خواز [ ص: 12 ] منداد: واختلف في هذه المسألة أصحاب وأصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة على قولين . الشافعي
وفي "مستدرك من حديث الحاكم" مرفوعا: ابن عباس ثم قال: صحيح الإسناد . "من أراد الحج فليتعجل"
حجة من لم يوجبه على الفور أنه فرض سنة خمس أو ست كما سلف، وفتحت مكة سنة ثمان ، فأقامه عتاب بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [ ص: 13 ] وحج في التاسعة، وحج - صلى الله عليه وسلم - في العاشرة، وأما حديث الباب فأخرجه أيضا الصديق في "صحيحه" ، وأخرجه مسلم في الاستئذان أيضا وقال: وأعجبه حسنها -يعني البخاري الفضل- فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، وأخرجه بلفظ: هل يقضي أن أحج عنه؟ ، وذكره في الاعتصام أيضا عنه: وسيأتي في الباب وقال: امرأة من إن أمي نذرت الحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها" جهينة .
وذكر في النذور: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن أختي نذرت.
بمثله، وقال: . "فاقضوا الله فهو أحق بالقضاء"
قال أبو العباس الطرقي: مدار هذا الحديث على وقد اختلف عليه في إسناده، رواه الزهري، عنه، عن ابن جريج عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، وهو الصحيح عندي، والحديث حديث الفضل بن عباس الفضل; لأنه كان رديف سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة النحر من مزدلفة إلى منى، قدمه - عليه السلام - في ضعفة أهله من جمع بليل، فقد دل عن شاهد واحد أن وابن عباس لم يحضر في تلك الحال، وإنما سمع ذلك من ابن عباس الفضل كما جاء في حديث [ ص: 14 ] حين دفعوا عشية ابن عباس عرفة: . "عليكم بالسكينة"
قال عبد الله: وأخبرني الفضل وكذا قال أنه - عليه السلام - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، فيما حكاه البخاري عنه أنه أصح ما روى عبد الله عن الفضل ، قال: ويحتمل أن عبد الله سمعه من الترمذي الفضل وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم روى هذا فأرسله ولم يذكر الذي سمعه منه .
وعند صحيحا من حديث ابن حزم عبيد الله بن عباس قال: كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة، إن حزمتها خشيت أن يقتلها، وإن لم أحزمها لم تستمسك ، فأمره أن يحج عنها . قال في "علله": أبو حاتم عبيد الله عن رسول الله مرسل .
إذا تقرر ذلك; فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
فيه جواز وهو إجماع، وقد جمع الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، ابن منده الإرداف في جزء فزاد على الثلاثين، وقد تقدم ذكر ذلك ويحتمل الزيادة، فالارتداف للسادة الرؤساء سائغ ولا سيما في الحج ؛ لتزاحم الناس ومشقة الرحالة; ولأن الراكب فيه أفضل كما ستعلمه.
[ ص: 15 ] ثانيها:
قوله: (فجاءت امرأة من خثعم) وأسلفنا رواية أخرى: من جهينة، وهاتان القبيلتان لا يجتمعان; لأن جهينة هو: ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة. وخثعم هو: ابن أغار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن لهلان.
ثالثها:
هذه المرأة يجوز أن تكون غاثية أو غائثة، لكن فيه أنها سألت عن أمها ، ففي كتاب "الصحابة" لابن منده وأبي نعيم في باب الغين المعجمة: غائثة أو غاثية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة، فقال: "اقضي عنها" .
رابعها:
فيه دلالة وهو إجماع كما حكاه أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام، ، ويحتمل - كما قال ابن عبد البر ابن التين - أنها سدلت ثوبا على وجهها.
خامسها:
في نظر الفضل إلى المرأة مغالبة طباع البشر لابن آدم ، وضعفه عما ركب فيه من الشهوات.
سادسها:
أن وأسند العالم يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه، من حديث ابن المنذر قال: ابن عباس ولم ينقل أنه نهى المرأة عن النظر إليه، وكان كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة [ ص: 16 ] فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن فقال: "يا ابن أخي، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له" الفضل وسيما أي: جميلا، ويحتمل أن يكون الشارع اجتزى بمنع الفضل لما رأى أنها تعلم بذلك (منع نظرها إليه) ; لأن حكمهما واحد، أو تنبهت لذلك ، أو كان ذلك الموضع هو محل نظره الكريم فلم يصرف نظرها.
وقال فيه احتمال أن ليس على النساء غض أبصارهن عن وجوه الرجال، إنما يغضضن عورتهن، وقال بعض المالكية: ليس على المرأة تغطية وجهها لهذا الحديث، وإنما الداودي: وقيل: إنما لم يأمرها بتغطية وجهها، لأنه محل إحرامها، وصرف وجه على الرجل غض بصره، الفضل بالفعل أقرب من الأمر، وذهب ابن عباس إلى أن المراد في قوله تعالى: وابن عمر ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [النور: 31] أنه الوجه والكفان ، وبه قال مجاهد وعطاء وأكثر الفقهاء . وقال الثياب . ابن مسعود:
سابعها:
فيه أن وهو أن يكون عاجزا [ ص: 17 ] عن المباشرة بنفسه، إما بزمانة لا يرجى زوالها وسببها، فله أن يستنيب، وبه قال النيابة في الحج سائغة بأجرة وبغيرها، الثوري وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك والليث لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام. والحسن بن صالح:
وحاصل ما في مذهب ثلاثة أقوال: مشهورها لا تجوز النيابة، ثالثها: تجوز في الولد، وقال: يتطوع عنه بغير هذا، يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق، وتنفذ الوصية به على المشهور عندهم ، ويكون لمن حج أحب إلي، فإن لم يوص لم يجز، وإن كان فلا ضرورة على الأصح، ويكره للمرء إجارة نفسه على المشهور وتلزم. مالك
قال وأجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئه إلا أن يحج بنفسه، لا يجزئ أن يحج غيره عنه ، وقد روينا عن علي أنه قال لرجل كبير لم يحج: إن شئت فجهز رجلا يحج عنك . ابن المنذر:
وعن وبعض السلف: لا يصح النخعي ولا عن غيره - وهي رواية عن مالك - وإن أوصى به، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن ابن عمر أنه قال: الحج عن ميت وكذا قال لا يحج أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، . إبراهيم النخعي
وقال الشافعي والجمهور: يجوز عن فرضه ونذره ، سواء أوصى به أم لا، وهو واجب في تركته، وعندنا تجوز الحج عن الميت على أصح القولين، والحديث حجة على الاستنابة في [ ص: 18 ] حج التطوع الحسن بن حي في قوله: إن وهو حجة لمن أجازه. المرأة لا يجوز أن تحج عن الرجل،
وقال صاحب "الهداية": الأصل أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره ، صلاة أو صدقة أو صوما أو غيرها عند أهل السنة والجماعة، لما روي أنه - عليه السلام - ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته، والعبادات أنواع: مالية محصنة كالزكاة، وبدنية كالصلاة، ومركب منها كالحج، والنيابة تجزئ في النوع الأول ولا الثاني، وتجزئ في الثالث عند العجز دون القدرة، والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت، وظاهر مذهبهم أن الحج يقع عن المحجوج عنه; لحديث الخثعمية، وعند محمد أنه يقع عن الحاج ، وللآخر ثواب النفقة.
قال العجب من الخطابي: كيف روى هذا الحديث ولم يقل به؟ قال: وقد تأول بعضهم أن معنى (أدركت أبي شيخا كبيرا) أي أسلم وهو شيخ بهذه الصفة . مالك
وقال اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث، فذهب جماعة منهم إلى أنه مخصوص به أبو الخثعمية، لا يجوز أن يتعدى به إلى غيره، بدليل الآية السالفة ابن عبد البر: من استطاع إليه سبيلا وكان أبوها ممن لا يستطيع ، فلم يكن عليه الحج ، فلما لم يكن عليه لعدم استطاعته ، كانت ابنته مخصوصة بذلك الجواب، وممن قال ذلك وأصحابه ; لأن الحج عندهم من عمل البدن ، فلا ينوب فيه أحد عن أحد كالصلاة. مالك
[ ص: 19 ] وذكر من حديث ابن حزم إبراهيم بن محمد (العبدوي) وكذا رواه أن امرأة قالت: إن أبي شيخ كبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حجي عنه، وليس لأحد بعده" محمد بن حبان (الإخباري) أن امرأة قالت.... الحديث ، وهو ضعيف بالإرسال وغيره، ويحتمل أن يكون معنى (أدركت أبي) أي: أن الحج فرض وأبوها على تلك الحالة، ويبعده قولها: عليه فريضة الحج، والشارع إنما أجابها بالإحجاج عنه لما رأى من حرصها على إيصال الخير له، كما أجاب الأخرى في النذر وشبهه بالدين، والإجماع على أنه لا يجب على وليه قضاء الدين عنه، وجعله بعض المالكية خاصا بالابن عن أبيه، حكاه ، وحكاه القرطبي مرسلا وضعفه عن ابن حزم محمد بن الحارث التيمي ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحج أحد عن أحد إلا ولد عن والد" .
قال الطرطوسي في "الحج" : تأليفه في هذا الحديث أربعة: أوله وجوب الحج على المعضوب لإقرارها عليه تشبيهه بالدين - وهو واجب - جواز فعلها عنه وأنه ينفعه، ويحتمل أن تريد: أحج عنه ؟ أي: بعد موته، أو يكون أوصى به.
فرع:
بذل الولد الطاعة يصير مستطيعا به على الأصح.
[ ص: 20 ] فرع:
لو صح المعضوب بعد ذلك أعاده عندنا وفاقا للكوفيين وخلافا وأبي ثور، لأحمد وإسحاق.
فرع:
لولي الصبي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز والمجنون.
فرع غريب: عن كانوا يرون أن المرأة إذا حجت وفي بطنها ولد، أن له حجا، وعن طاوس: يجزئ عن الصغير حجة حتى يكبر . ابن سيرين:
ثامنها:
أجمع العلماء على أن واختلفوا في تفسيرها على قولين: الاستطاعة شرط في إيجاب الحج.
أحدهما: أن من قدر على الوصول ببدنه فقد لزمه، وإن لم يجد راحلة، وهو بمنزلة من يجدها ويعجز عن المشي، وهو قول ابن الزبير وعكرمة والضحاك، وبه قال مالك.
ثانيها: أنها الزاد والراحلة، وهو قول الحسن ومجاهد ، وبه قال وسعيد بن جبير أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وظاهر قول وسحنون وأثبته ابن حبيب، الطرطوسي قولا ، وادعى أن ذكر الراحلة لم يذكر في حديث عن أبيه، عن جده، وليس كما ذكر، فهي فيه في عمرو بن شعيب، . الدارقطني
[ ص: 21 ] وأخذ من حديث الباب ما نحا إليه مالك فقال فيه: إن الاستطاعة لا تكون الزاد والراحلة، ألا ترى أن ما اعتذرت به هذه المرأة عن أبيها ليس بهما، وإنما كان ضعف جسمه ؟ فثبت أن الاستطاعة شائعة كيفما وقعت وتمكنت، وقال غيره: إنها في لسان العرب: القدرة، فإن جعلناها عموما في كل قادر جاز ، سواء قدر ببدنه أو به وبماله أو بماله ، إلا أن تقوم دلالة، وإن قلنا: إن حقيقتها أن تكون صفة قائمة في المستطيع ، كالقدرة والكلام والقيام والقعود ، فينبغي أن تكون الاستطاعة صفة فيه تخصه، وهذا لا يكون إلا لمن هو مستطيع ببدنه دون ماله، وقد سلم المخالف أن المريض ليس بمستطيع وإن وجدهما، وأهل الحرم والمواقيت فما دونهم لا يعتبر فيهم زاد ولا راحلة . المهلب
فاحتج ومن وافقه أنه - عليه السلام - لما سئل عن السبيل في قوله تعالى: الشافعي ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران: 97] قال: "الزاد والراحلة" أخرجه في "مستدركه" من حديث الحاكم -أبو عبد الله- قال: صحيح على شرط الشيخين، ثم ذكر له متابعا على شرط أنس، ، وضعفه مسلم بلا دليل . البيهقي
وحكى القاضي حسين وجها أنه لأنه كالحاضر. وحكى لا يشترط وجود الزاد في حق من هو على دون مسافة القصر; ابن كج عن أبي علي الطبري أنه إذا كان في الحرم يلزمه الحج إذا كان صحيحا ولم يكن له مال ولا كسب قال: وهذا فاسد ؛ إذ لا يكلف المسألة في الطريق.
[ ص: 22 ] وقول ابن بطال: {فإن احتجوا بحديث: فإن "السبيل الزاد والراحلة"، وغيره قالوا: راويه ابن معين إبراهيم الخوزي، وهو ضعيف} عجيب منه في اقتصاره على طريق ضعيف، وطرحه لما صح كما أسلفناه ، على أن حسنه من الوجه المذكور، قال: الترمذي وإبراهيم يضعف ، وقد رواه بإسقاطه ، ثم نقل عن الدارقطني أنه قال: لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة ، وليس بمتصل . ابن المنذر
قلت: ما ذكرناه ثابت متصل ، فقدم على الطريقة الضعيفة، ثم قال: والآية عامة ليست مجملة ، لا تفتقر إلى بيان ، فكأنه تعالى كلف كل مستطيع على أي وجه قدر: بمال أو بدن، قال: والدليل على ذلك حديث: فجعل صحة الجسم مساوية للغنى، فسقط قول من اعتبر الراحلة. "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي"
قلت: لا يسقط ، فإن الحديث مفسر للاستطاعة في الآية، وهو المبين عن الله، وقال إسماعيل بن إسحاق: لو أن رجلا كان في موضع يمكنه [ ص: 23 ] المشي إلى الحج وهو لا يملك راحلة لوجب عليه الحج; لأنه مستطيع إليه سبيلا .
قلت: لا نسلم له ، ثم قال: وما رووه عن السلف في ذلك أن السبيل الزاد والراحلة، فإنما أرادوا التغليظ على من ملك هذا المقدار ولم يحج; لأنهم ذكروا أقل الأملاك التي يبلغ بها الإنسان إلى الحج.
قلت: لا نسلمه ، بل أرادوا التشريع، فإن قيل: فإنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة ، فوجبت فيها الراحلة ، أصله الجهاد، قيل: لا فرق بينهما، ومن تعين عليه فرض الجهاد وهو قادر ببدنه على المشي فليست الراحلة شرطا في وجوبه عليه .
فرع:
انفرد حيث قال: أبو محمد بن حزم أيضا; احتجاجا بقول الحج واجب على العبد جابر ما من مسلم. وقال الآخر: ما من أحد من خلق الله إلا وعليه عمرة وحجة معا، ولم يخصا إنسيا من جني ولا حرا من عبد، وسئل وابن عمر: القاسم وسلمان بن يسار عن فقالا: يجزئ عنه من حجة الإسلام، فإذا حج بغير إذنه لم يجزه [ ص: 24 ] وقال العبد يحج بإذن سيده إذا حج العبد وهو فحل أجزأت عنه حجة الإسلام، قال: وأما خبر مجاهد: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرسل لا يعرف، وحديث محمد بن كعب وقفه جماعة . ابن عباس
فإن صح وقفه فهو منسوخ; لأنه كان قبل الفتح، ومن قال: إنه - عليه السلام - لم يحج بأم ولده فكذب شنيع لا يوجد.
تاسعها: ادعى الطحاوي والطرطوسي، أن في هذه الأحاديث ما يدل على أنه جائز للرجل أن يحج عن غيره، وإن لم يكن حج عن نفسه ، لإطلاقها ولم يسألها: أحججت أم لا ؟ ويدل عليه تشبيهه بالدين ، ويجوز قضاؤه بغير إذن من عليه، قال: والذي يدل عليه أن من حج تطوعا ولم يحج الفرض أنها تكون تطوعا -كما قاله من قاله من أهل المدينة يعني: المالكيين والكوفة ، ولا يكون من حجة الإسلام كما قاله من قاله- ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: . "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أكملها كتبت كاملة، وإن لم يكن أكملها قال الله جل وعلا لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا ما ضيع به من فريضته"
والزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على مثل ذلك، فدل أنه جائز وأنه جائز أن يحج عن [ ص: 25 ] غيره قبل نفسه، قال: وأما حديث للرجل أن يحج تطوعا، وإن لم يكن حج الفرض، ابن عباس شبرمة، فقال: "من شبرمة ؟" قال: أخ لي -أو قريب لي- قال: "أحججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال: "اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة" . فلا حجة فيه لمن تعلق به، وهو حديث معلول. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول: لبيك عن
والصحيح أنه موقوف على وكذا قال ابن عباس، الصواب وقفه عليه، وأعله بعضهم بالإرسال، والذي يصح في هذا المعنى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أحمد: ابن عباس أنه سئل عن رجل لم يحج، أيحج عن غيره؟ فقال: "دين الله جل وعز أحق أن يقضيه" وليس فيه أنه لو أحرم عن غيره كان ذلك الإحرام عن نفسه.
وقال الطرطوسي: وهو حجة على من قال به; لأن قوله: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" وفي لفظ: شبرمة" دليل على أنه كان انعقد عن شبرمة، فلو كان قد وقع هذا عن نفسه كما زعمتم كيف يقول له: "حج عن نفسك؟! " غير أن هذا كان في عام الفتح ; لأنه - عليه السلام - فسخ حجهم إلى عمرة، وإن خالف "اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن في الفسخ، فقد رده عليه المتقدمون والمتأخرون والفقهاء [ ص: 26 ] والمحدثون، والجماعة مطبقون على أن هذا كان عام الفتح، فلما جاز فسخ الحج إلى العمرة جاز فسخه من شخص إلى شخص. الشافعي
فإن قلت: أراد بقوله: "اجعل هذه عن نفسك" التلبية لا الإحرام.
قلت: هذا غلط; لأنه قال: "أحججت عن نفسك؟ " وهو صريح في الحج دونها.
قلت: الحديث أخرجه أبو داود بإسناد على شرط الصحيح بلفظ: "حج عن نفسك" ، ورواية وابن ماجه في "صحيحه": ابن حبان قال "فاجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" إسناده صحيح ، ليس في الباب أصح منه ، وصححه البيهقي: ابن القطان أيضا عنه ، وحمله بعضهم على الندب عملا بقوله: وفي رواية "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وهاهنا بدل للدارقطني: شبرمة نبيشة، والصواب شبرمة .
وما سلف من الجواز هو قول الحسن وإبراهيم وأيوب وجعفر بن محمد وأبي حنيفة وحكي عن ومالك، أيضا مثله. وقال أحمد الأوزاعي والشافعي وإسحاق: لا يجوز، ويقع إحرامه عن حجة الإسلام، وعن يقع الحج باطلا ولا يصح عنه ولا عن غيره، ونقل عن بعض الحنابلة كما في "المغني". ابن عباس:
[ ص: 27 ] وقال في "مسنده": حدثنا الشافعي سعيد بن سالم، عن عن سفيان بن سعيد، طاوس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سألته عن الرجل لم يحج: أيستقرض الحج؟ قال: لا . وقال إن كان يقدر على الحج عن نفسه يحج عن نفسه، وإلا حج عن غيره، وحكاه الثوري: النووي عن أبي ثور أيضا ، محتجين بأن الحج مما تدخله النيابة ، فجاز أن يؤديه عن غيره ممن لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة. وروى وداود في "مصنفه" عن ابن أبي شيبة عن وكيع، عن عمر بن ذر، في الرجل يحج عن الرجل ولم يكن حج قط قال: يجزئ عنه وعن صاحبه الأول. وعن مجاهد حدثنا يزيد بن هارون، حميد بن الأسود، عن جعفر، عن أبيه وحدثنا أن عليا كان لا يرى بأسا أن يحج الصرورة عن الرجل. يزيد بن هشام، عن الحسن، أنه كان لا يرى بأسا أن يحج الصرورة عن الرجل. وعن ابن المسيب بإسناد جيد: إن الله واسع لهما .
فرع:
لو كان عليه قضاء ونذر قدم القضاء ثم النذر، فإن خبط ترتب، وعند أبي حنيفة يقع عما نواه . ومالك:
الشرح:
هذا الباب كذا هو هنا في الأصول، وقدم عليه كتاب الصوم ، وهو قريب ، فلنقتد بالجم الغفير، فنقول: قرئ في السبعة ابن بطال حج البيت بالفتح والكسر، فقيل: لغتان، وقيل: بالفتح المصدر وبالكسر الاسم، وقيل: عكسه ، وقال بالفتح القصد، وبالكسر القوم الحجاج، والحجة: المرة الواحدة، وبالكسر: التلبية والإجابة، وقيدها الجوهري بالكسر ، قال ابن السكيت: أبو موسى الحافظ: وهو من النوادر.
قلت: وأنكره قوم، وحكي عن أنه قال: يقال في كل شيء فعلت فعلة إلا في شيئين: حججت حجة ، رويته روية ، يعني إلى الغزو ، وقال الكسائي أبو إسحاق: والحج بفتح الحاء الأصل تقول: حججت الشيء أحجه حجا: إذا قصدته، والفتح والكسر اسم للعمل .
قلت: وأكثر القراء على الفتح، وفي "أمالي الهجري": الحج: أكثر العرب يكسرون الحاء فقط. قلت: ويجمع على حجج.
وقوله: ومن كفر أي: من أهل الملك أو: بفرضه، ونقله ابن التين عن أكثر المفسرين، أو هو من إن حج لم يره برا ، وإن حبس لم يره إثما، وفي حديث: "من حج لا يرجو ثوابه ولا يخاف عقابه فقد كفر" . قال [ ص: 11 ] عن سعيد بن جبير، لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة . عمر:
. وأصله في اللغة: القصد الآتي بيانه، وفي الشرع: قصد الكعبة للنسك وقام الإجماع ودلائل الكتاب والسنة على فرضيته، على آراء: أغربها: قبل الهجرة، وأقربها قولان: سنة خمس أو سنة ست، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وصححه واختلفوا متى فرض . القاضي عياض
وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة عشر، وهما غريبان، فصارت ستة أقوال غير الأول مرتبة على السنين، وسنة ست هو ما ذكره . البيهقي
وفي حديث ضمام بن ثعلبة ذكر الحج ، وقدومه سنة تسع كما قاله الطرطوسي، لكن قال
محمد بن حبيب: سنة خمس، . وقام الإجماع على أنه لا يتكرر إلا لعارض كنذر
فرع:
خلافا يجب الحج عندنا على التراخي للمزني ، ووفاقا للأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن وابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس.
وقال في رواية: وأبو مالك يوسف على الفور، وهو قول جمهور أصحاب ولا نص أبي حنيفة، في ذلك، قال لأبي حنيفة مذهبه يقتضي أنه على الفور، وهو الصحيح عندهم، وقال أبو يوسف: ابن خواز [ ص: 12 ] منداد: واختلف في هذه المسألة أصحاب وأصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة على قولين . الشافعي
وفي "مستدرك من حديث الحاكم" مرفوعا: ابن عباس ثم قال: صحيح الإسناد . "من أراد الحج فليتعجل"
حجة من لم يوجبه على الفور أنه فرض سنة خمس أو ست كما سلف، وفتحت مكة سنة ثمان ، فأقامه عتاب بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [ ص: 13 ] وحج في التاسعة، وحج - صلى الله عليه وسلم - في العاشرة، وأما حديث الباب فأخرجه أيضا الصديق في "صحيحه" ، وأخرجه مسلم في الاستئذان أيضا وقال: وأعجبه حسنها -يعني البخاري الفضل- فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، وأخرجه بلفظ: هل يقضي أن أحج عنه؟ ، وذكره في الاعتصام أيضا عنه: وسيأتي في الباب وقال: امرأة من إن أمي نذرت الحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها" جهينة .
وذكر في النذور: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن أختي نذرت.
بمثله، وقال: . "فاقضوا الله فهو أحق بالقضاء"
قال أبو العباس الطرقي: مدار هذا الحديث على وقد اختلف عليه في إسناده، رواه الزهري، عنه، عن ابن جريج عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، وهو الصحيح عندي، والحديث حديث الفضل بن عباس الفضل; لأنه كان رديف سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة النحر من مزدلفة إلى منى، قدمه - عليه السلام - في ضعفة أهله من جمع بليل، فقد دل عن شاهد واحد أن وابن عباس لم يحضر في تلك الحال، وإنما سمع ذلك من ابن عباس الفضل كما جاء في حديث [ ص: 14 ] حين دفعوا عشية ابن عباس عرفة: . "عليكم بالسكينة"
قال عبد الله: وأخبرني الفضل وكذا قال أنه - عليه السلام - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، فيما حكاه البخاري عنه أنه أصح ما روى عبد الله عن الفضل ، قال: ويحتمل أن عبد الله سمعه من الترمذي الفضل وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم روى هذا فأرسله ولم يذكر الذي سمعه منه .
وعند صحيحا من حديث ابن حزم عبيد الله بن عباس قال: كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة، إن حزمتها خشيت أن يقتلها، وإن لم أحزمها لم تستمسك ، فأمره أن يحج عنها . قال في "علله": أبو حاتم عبيد الله عن رسول الله مرسل .
إذا تقرر ذلك; فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
فيه جواز وهو إجماع، وقد جمع الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، ابن منده الإرداف في جزء فزاد على الثلاثين، وقد تقدم ذكر ذلك ويحتمل الزيادة، فالارتداف للسادة الرؤساء سائغ ولا سيما في الحج ؛ لتزاحم الناس ومشقة الرحالة; ولأن الراكب فيه أفضل كما ستعلمه.
[ ص: 15 ] ثانيها:
قوله: (فجاءت امرأة من خثعم) وأسلفنا رواية أخرى: من جهينة، وهاتان القبيلتان لا يجتمعان; لأن جهينة هو: ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة. وخثعم هو: ابن أغار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن لهلان.
ثالثها:
هذه المرأة يجوز أن تكون غاثية أو غائثة، لكن فيه أنها سألت عن أمها ، ففي كتاب "الصحابة" لابن منده وأبي نعيم في باب الغين المعجمة: غائثة أو غاثية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة، فقال: "اقضي عنها" .
رابعها:
فيه دلالة وهو إجماع كما حكاه أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام، ، ويحتمل - كما قال ابن عبد البر ابن التين - أنها سدلت ثوبا على وجهها.
خامسها:
في نظر الفضل إلى المرأة مغالبة طباع البشر لابن آدم ، وضعفه عما ركب فيه من الشهوات.
سادسها:
أن وأسند العالم يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه، من حديث ابن المنذر قال: ابن عباس ولم ينقل أنه نهى المرأة عن النظر إليه، وكان كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة [ ص: 16 ] فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن فقال: "يا ابن أخي، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له" الفضل وسيما أي: جميلا، ويحتمل أن يكون الشارع اجتزى بمنع الفضل لما رأى أنها تعلم بذلك (منع نظرها إليه) ; لأن حكمهما واحد، أو تنبهت لذلك ، أو كان ذلك الموضع هو محل نظره الكريم فلم يصرف نظرها.
وقال فيه احتمال أن ليس على النساء غض أبصارهن عن وجوه الرجال، إنما يغضضن عورتهن، وقال بعض المالكية: ليس على المرأة تغطية وجهها لهذا الحديث، وإنما الداودي: وقيل: إنما لم يأمرها بتغطية وجهها، لأنه محل إحرامها، وصرف وجه على الرجل غض بصره، الفضل بالفعل أقرب من الأمر، وذهب ابن عباس إلى أن المراد في قوله تعالى: وابن عمر ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [النور: 31] أنه الوجه والكفان ، وبه قال مجاهد وعطاء وأكثر الفقهاء . وقال الثياب . ابن مسعود:
سابعها:
فيه أن وهو أن يكون عاجزا [ ص: 17 ] عن المباشرة بنفسه، إما بزمانة لا يرجى زوالها وسببها، فله أن يستنيب، وبه قال النيابة في الحج سائغة بأجرة وبغيرها، الثوري وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك والليث لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام. والحسن بن صالح:
وحاصل ما في مذهب ثلاثة أقوال: مشهورها لا تجوز النيابة، ثالثها: تجوز في الولد، وقال: يتطوع عنه بغير هذا، يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق، وتنفذ الوصية به على المشهور عندهم ، ويكون لمن حج أحب إلي، فإن لم يوص لم يجز، وإن كان فلا ضرورة على الأصح، ويكره للمرء إجارة نفسه على المشهور وتلزم. مالك
قال وأجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئه إلا أن يحج بنفسه، لا يجزئ أن يحج غيره عنه ، وقد روينا عن علي أنه قال لرجل كبير لم يحج: إن شئت فجهز رجلا يحج عنك . ابن المنذر:
وعن وبعض السلف: لا يصح النخعي ولا عن غيره - وهي رواية عن مالك - وإن أوصى به، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن ابن عمر أنه قال: الحج عن ميت وكذا قال لا يحج أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، . إبراهيم النخعي
وقال الشافعي والجمهور: يجوز عن فرضه ونذره ، سواء أوصى به أم لا، وهو واجب في تركته، وعندنا تجوز الحج عن الميت على أصح القولين، والحديث حجة على الاستنابة في [ ص: 18 ] حج التطوع الحسن بن حي في قوله: إن وهو حجة لمن أجازه. المرأة لا يجوز أن تحج عن الرجل،
وقال صاحب "الهداية": الأصل أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره ، صلاة أو صدقة أو صوما أو غيرها عند أهل السنة والجماعة، لما روي أنه - عليه السلام - ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته، والعبادات أنواع: مالية محصنة كالزكاة، وبدنية كالصلاة، ومركب منها كالحج، والنيابة تجزئ في النوع الأول ولا الثاني، وتجزئ في الثالث عند العجز دون القدرة، والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت، وظاهر مذهبهم أن الحج يقع عن المحجوج عنه; لحديث الخثعمية، وعند محمد أنه يقع عن الحاج ، وللآخر ثواب النفقة.
قال العجب من الخطابي: كيف روى هذا الحديث ولم يقل به؟ قال: وقد تأول بعضهم أن معنى (أدركت أبي شيخا كبيرا) أي أسلم وهو شيخ بهذه الصفة . مالك
وقال اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث، فذهب جماعة منهم إلى أنه مخصوص به أبو الخثعمية، لا يجوز أن يتعدى به إلى غيره، بدليل الآية السالفة ابن عبد البر: من استطاع إليه سبيلا وكان أبوها ممن لا يستطيع ، فلم يكن عليه الحج ، فلما لم يكن عليه لعدم استطاعته ، كانت ابنته مخصوصة بذلك الجواب، وممن قال ذلك وأصحابه ; لأن الحج عندهم من عمل البدن ، فلا ينوب فيه أحد عن أحد كالصلاة. مالك
[ ص: 19 ] وذكر من حديث ابن حزم إبراهيم بن محمد (العبدوي) وكذا رواه أن امرأة قالت: إن أبي شيخ كبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حجي عنه، وليس لأحد بعده" محمد بن حبان (الإخباري) أن امرأة قالت.... الحديث ، وهو ضعيف بالإرسال وغيره، ويحتمل أن يكون معنى (أدركت أبي) أي: أن الحج فرض وأبوها على تلك الحالة، ويبعده قولها: عليه فريضة الحج، والشارع إنما أجابها بالإحجاج عنه لما رأى من حرصها على إيصال الخير له، كما أجاب الأخرى في النذر وشبهه بالدين، والإجماع على أنه لا يجب على وليه قضاء الدين عنه، وجعله بعض المالكية خاصا بالابن عن أبيه، حكاه ، وحكاه القرطبي مرسلا وضعفه عن ابن حزم محمد بن الحارث التيمي ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحج أحد عن أحد إلا ولد عن والد" .
قال الطرطوسي في "الحج" : تأليفه في هذا الحديث أربعة: أوله وجوب الحج على المعضوب لإقرارها عليه تشبيهه بالدين - وهو واجب - جواز فعلها عنه وأنه ينفعه، ويحتمل أن تريد: أحج عنه ؟ أي: بعد موته، أو يكون أوصى به.
فرع:
بذل الولد الطاعة يصير مستطيعا به على الأصح.
[ ص: 20 ] فرع:
لو صح المعضوب بعد ذلك أعاده عندنا وفاقا للكوفيين وخلافا وأبي ثور، لأحمد وإسحاق.
فرع:
لولي الصبي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز والمجنون.
فرع غريب: عن كانوا يرون أن المرأة إذا حجت وفي بطنها ولد، أن له حجا، وعن طاوس: يجزئ عن الصغير حجة حتى يكبر . ابن سيرين:
ثامنها:
أجمع العلماء على أن واختلفوا في تفسيرها على قولين: الاستطاعة شرط في إيجاب الحج.
أحدهما: أن من قدر على الوصول ببدنه فقد لزمه، وإن لم يجد راحلة، وهو بمنزلة من يجدها ويعجز عن المشي، وهو قول ابن الزبير وعكرمة والضحاك، وبه قال مالك.
ثانيها: أنها الزاد والراحلة، وهو قول الحسن ومجاهد ، وبه قال وسعيد بن جبير أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وظاهر قول وسحنون وأثبته ابن حبيب، الطرطوسي قولا ، وادعى أن ذكر الراحلة لم يذكر في حديث عن أبيه، عن جده، وليس كما ذكر، فهي فيه في عمرو بن شعيب، . الدارقطني
[ ص: 21 ] وأخذ من حديث الباب ما نحا إليه مالك فقال فيه: إن الاستطاعة لا تكون الزاد والراحلة، ألا ترى أن ما اعتذرت به هذه المرأة عن أبيها ليس بهما، وإنما كان ضعف جسمه ؟ فثبت أن الاستطاعة شائعة كيفما وقعت وتمكنت، وقال غيره: إنها في لسان العرب: القدرة، فإن جعلناها عموما في كل قادر جاز ، سواء قدر ببدنه أو به وبماله أو بماله ، إلا أن تقوم دلالة، وإن قلنا: إن حقيقتها أن تكون صفة قائمة في المستطيع ، كالقدرة والكلام والقيام والقعود ، فينبغي أن تكون الاستطاعة صفة فيه تخصه، وهذا لا يكون إلا لمن هو مستطيع ببدنه دون ماله، وقد سلم المخالف أن المريض ليس بمستطيع وإن وجدهما، وأهل الحرم والمواقيت فما دونهم لا يعتبر فيهم زاد ولا راحلة . المهلب
فاحتج ومن وافقه أنه - عليه السلام - لما سئل عن السبيل في قوله تعالى: الشافعي ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران: 97] قال: "الزاد والراحلة" أخرجه في "مستدركه" من حديث الحاكم -أبو عبد الله- قال: صحيح على شرط الشيخين، ثم ذكر له متابعا على شرط أنس، ، وضعفه مسلم بلا دليل . البيهقي
وحكى القاضي حسين وجها أنه لأنه كالحاضر. وحكى لا يشترط وجود الزاد في حق من هو على دون مسافة القصر; ابن كج عن أبي علي الطبري أنه إذا كان في الحرم يلزمه الحج إذا كان صحيحا ولم يكن له مال ولا كسب قال: وهذا فاسد ؛ إذ لا يكلف المسألة في الطريق.
[ ص: 22 ] وقول ابن بطال: {فإن احتجوا بحديث: فإن "السبيل الزاد والراحلة"، وغيره قالوا: راويه ابن معين إبراهيم الخوزي، وهو ضعيف} عجيب منه في اقتصاره على طريق ضعيف، وطرحه لما صح كما أسلفناه ، على أن حسنه من الوجه المذكور، قال: الترمذي وإبراهيم يضعف ، وقد رواه بإسقاطه ، ثم نقل عن الدارقطني أنه قال: لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة ، وليس بمتصل . ابن المنذر
قلت: ما ذكرناه ثابت متصل ، فقدم على الطريقة الضعيفة، ثم قال: والآية عامة ليست مجملة ، لا تفتقر إلى بيان ، فكأنه تعالى كلف كل مستطيع على أي وجه قدر: بمال أو بدن، قال: والدليل على ذلك حديث: فجعل صحة الجسم مساوية للغنى، فسقط قول من اعتبر الراحلة. "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي"
قلت: لا يسقط ، فإن الحديث مفسر للاستطاعة في الآية، وهو المبين عن الله، وقال إسماعيل بن إسحاق: لو أن رجلا كان في موضع يمكنه [ ص: 23 ] المشي إلى الحج وهو لا يملك راحلة لوجب عليه الحج; لأنه مستطيع إليه سبيلا .
قلت: لا نسلم له ، ثم قال: وما رووه عن السلف في ذلك أن السبيل الزاد والراحلة، فإنما أرادوا التغليظ على من ملك هذا المقدار ولم يحج; لأنهم ذكروا أقل الأملاك التي يبلغ بها الإنسان إلى الحج.
قلت: لا نسلمه ، بل أرادوا التشريع، فإن قيل: فإنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة ، فوجبت فيها الراحلة ، أصله الجهاد، قيل: لا فرق بينهما، ومن تعين عليه فرض الجهاد وهو قادر ببدنه على المشي فليست الراحلة شرطا في وجوبه عليه .
فرع:
انفرد حيث قال: أبو محمد بن حزم أيضا; احتجاجا بقول الحج واجب على العبد جابر ما من مسلم. وقال الآخر: ما من أحد من خلق الله إلا وعليه عمرة وحجة معا، ولم يخصا إنسيا من جني ولا حرا من عبد، وسئل وابن عمر: القاسم وسلمان بن يسار عن فقالا: يجزئ عنه من حجة الإسلام، فإذا حج بغير إذنه لم يجزه [ ص: 24 ] وقال العبد يحج بإذن سيده إذا حج العبد وهو فحل أجزأت عنه حجة الإسلام، قال: وأما خبر مجاهد: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرسل لا يعرف، وحديث محمد بن كعب وقفه جماعة . ابن عباس
فإن صح وقفه فهو منسوخ; لأنه كان قبل الفتح، ومن قال: إنه - عليه السلام - لم يحج بأم ولده فكذب شنيع لا يوجد.
تاسعها: ادعى الطحاوي والطرطوسي، أن في هذه الأحاديث ما يدل على أنه جائز للرجل أن يحج عن غيره، وإن لم يكن حج عن نفسه ، لإطلاقها ولم يسألها: أحججت أم لا ؟ ويدل عليه تشبيهه بالدين ، ويجوز قضاؤه بغير إذن من عليه، قال: والذي يدل عليه أن من حج تطوعا ولم يحج الفرض أنها تكون تطوعا -كما قاله من قاله من أهل المدينة يعني: المالكيين والكوفة ، ولا يكون من حجة الإسلام كما قاله من قاله- ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: . "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أكملها كتبت كاملة، وإن لم يكن أكملها قال الله جل وعلا لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا ما ضيع به من فريضته"
والزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على مثل ذلك، فدل أنه جائز وأنه جائز أن يحج عن [ ص: 25 ] غيره قبل نفسه، قال: وأما حديث للرجل أن يحج تطوعا، وإن لم يكن حج الفرض، ابن عباس شبرمة، فقال: "من شبرمة ؟" قال: أخ لي -أو قريب لي- قال: "أحججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال: "اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة" . فلا حجة فيه لمن تعلق به، وهو حديث معلول. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول: لبيك عن
والصحيح أنه موقوف على وكذا قال ابن عباس، الصواب وقفه عليه، وأعله بعضهم بالإرسال، والذي يصح في هذا المعنى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أحمد: ابن عباس أنه سئل عن رجل لم يحج، أيحج عن غيره؟ فقال: "دين الله جل وعز أحق أن يقضيه" وليس فيه أنه لو أحرم عن غيره كان ذلك الإحرام عن نفسه.
وقال الطرطوسي: وهو حجة على من قال به; لأن قوله: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" وفي لفظ: شبرمة" دليل على أنه كان انعقد عن شبرمة، فلو كان قد وقع هذا عن نفسه كما زعمتم كيف يقول له: "حج عن نفسك؟! " غير أن هذا كان في عام الفتح ; لأنه - عليه السلام - فسخ حجهم إلى عمرة، وإن خالف "اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن في الفسخ، فقد رده عليه المتقدمون والمتأخرون والفقهاء [ ص: 26 ] والمحدثون، والجماعة مطبقون على أن هذا كان عام الفتح، فلما جاز فسخ الحج إلى العمرة جاز فسخه من شخص إلى شخص. الشافعي
فإن قلت: أراد بقوله: "اجعل هذه عن نفسك" التلبية لا الإحرام.
قلت: هذا غلط; لأنه قال: "أحججت عن نفسك؟ " وهو صريح في الحج دونها.
قلت: الحديث أخرجه أبو داود بإسناد على شرط الصحيح بلفظ: "حج عن نفسك" ، ورواية وابن ماجه في "صحيحه": ابن حبان قال "فاجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" إسناده صحيح ، ليس في الباب أصح منه ، وصححه البيهقي: ابن القطان أيضا عنه ، وحمله بعضهم على الندب عملا بقوله: وفي رواية "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وهاهنا بدل للدارقطني: شبرمة نبيشة، والصواب شبرمة .
وما سلف من الجواز هو قول الحسن وإبراهيم وأيوب وجعفر بن محمد وأبي حنيفة وحكي عن ومالك، أيضا مثله. وقال أحمد الأوزاعي والشافعي وإسحاق: لا يجوز، ويقع إحرامه عن حجة الإسلام، وعن يقع الحج باطلا ولا يصح عنه ولا عن غيره، ونقل عن بعض الحنابلة كما في "المغني". ابن عباس:
[ ص: 27 ] وقال في "مسنده": حدثنا الشافعي سعيد بن سالم، عن عن سفيان بن سعيد، طاوس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سألته عن الرجل لم يحج: أيستقرض الحج؟ قال: لا . وقال إن كان يقدر على الحج عن نفسه يحج عن نفسه، وإلا حج عن غيره، وحكاه الثوري: النووي عن أبي ثور أيضا ، محتجين بأن الحج مما تدخله النيابة ، فجاز أن يؤديه عن غيره ممن لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة. وروى وداود في "مصنفه" عن ابن أبي شيبة عن وكيع، عن عمر بن ذر، في الرجل يحج عن الرجل ولم يكن حج قط قال: يجزئ عنه وعن صاحبه الأول. وعن مجاهد حدثنا يزيد بن هارون، حميد بن الأسود، عن جعفر، عن أبيه وحدثنا أن عليا كان لا يرى بأسا أن يحج الصرورة عن الرجل. يزيد بن هشام، عن الحسن، أنه كان لا يرى بأسا أن يحج الصرورة عن الرجل. وعن ابن المسيب بإسناد جيد: إن الله واسع لهما .
فرع:
لو كان عليه قضاء ونذر قدم القضاء ثم النذر، فإن خبط ترتب، وعند أبي حنيفة يقع عما نواه . ومالك: