الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم نكسوا على رءوسهم أصل النكس قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفله ، ولا يلغو ذكر الرأس بل يكون من التأكيد أو يعتبر التجريد ، وقد يستعمل النكس لغة في مطلق قلب الشيء من حال إلى حال أخرى ويذكر الرأس للتصوير والتقبيح .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الزمخشري على ما في الكشف في المراد به هنا ثلاثة أوجه ، الأول أنه الرجوع عن الفكرة المستقيمة الصالحة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع الاعتراف بتقاصر حالها عن الحيوان فضلا أن تكون في معرض الإلهية فمعنى لقد علمت ما هؤلاء ينطقون لا يخفى علينا وعليك أيها المبكت بأنها لا تنطق أنها كذلك وإنا إنما اتخذناها آلهة مع العلم بالوصف ، والدليل عليه جواب إبراهيم عليه السلام الآتي ، والثاني أنه الرجوع عن الجدل معه عليه السلام بالباطل في قولهم : من فعل هذا بآلهتنا وقولهم : أأنت فعلت إلى الجدال عنه بالحق في قولهم : ( لقد علمت ) لأنه نفي للقدرة عنها واعتراف بعجزها وأنها لا تصلح للإلهية وسمي نكسا وإن كان حقا لأنه ما أفادهم عقدا فهو نكس بالنسبة إلى ما كانوا عليه من الباطل حيث اعترفوا بعجزها وأصروا . وفي لباب التفسير ما يقرب منه مأخذا لكنه قدر الرجوع عن الجدال عنه في قولهم : إنكم أنتم [ ص: 67 ] الظالمون إلى الجدال معه عليه السلام بالباطل في قولهم : ( لقد علمت ) والثالث أن النكس مبالغة في إطراقهم رؤوسهم خجلا وقولهم : ( لقد علمت ) إلخ رمي عن حيرة ولهذا أتوا بما هو حجة عليهم وجاز أن يجعل كناية عن مبالغة الحيرة وانخذال الحجة فإنها لا تنافي الحقيقة ، قال في الكشف . وهذا وجه حسن وكذلك الأول ، وكون المراد النكس في الرأي رواه أبو حاتم عن ابن زيد وهو للوجهين الأولين ، وقال مجاهد : معنى نكسوا على رءوسهم ردت السفلة على الرؤساء . فالمراد بالرؤوس الرؤساء ، والأظهر عندي الوجه الثالث ، وأيا ما كان فالجار متعلق بنكسوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا ، والجملة القسمية مقولة لقول مقدر أي قائلين ( لقد ) إلخ ، والخطاب في ( علمت ) لإبراهيم عليه السلام لا لكل من يصلح للخطاب ، والجملة المنفية في موضع مفعولي علم إن تعدت إلى اثنين أو في موضع مفعول واحد إن تعدت لواحد ، والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار كما يوهمه صيغة المضارع ، وقرأ أبو حيوة . وابن أبي عبلة . وابن مقسم . وابن الجارود . والبكراوي كلاهما عن هشام بتشديد كاف ( نكسوا ) ، وقرأ رضوان بن عبد المعبود (نكسوا ) بتخفيف الكاف مبنيا للفاعل أي نكسوا أنفسهم وقيل : رجعوا على رؤسائهم بناء على ما يقتضيه تفسير مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية