الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى :( أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه ليس المراد بقوله :( فتعالى الله عما يشركون ) ما ذكره من قصة إبليس إذ لو كان المراد ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكلية ، وكان ذلك غاية الفساد في النظم والترتيب ، بل المراد ما ذكرناه في سائر الأجوبة من أن المقصود من الآية السابقة الرد على عبدة الأوثان . وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 74 ] المسألة الأولى : المقصود من هذه الآية إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقوله :( أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ) معناه أيعبدون ما لا يقدر على أن يخلق شيئا وهم يخلقون ؟ أي وهم مخلوقون يعني الأصنام .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف وحد( يخلق ) ثم جمع فقال :( وهم يخلقون ) وأيضا فكيف ذكر الواو والنون في جمع غير الناس ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن الأول : أن لفظ( ما ) تقع على الواحد والاثنين والجمع ، فهذه من صيغ الوحدان بحسب ظاهر لفظها ومحتملة للجمع؛ فالله تعالى اعتبر الجهتين فوحد قوله :( يخلق ) رعاية لحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله :( وهم يخلقون ) رعاية لجانب المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن الثاني : وهو أن الجمع بالواو والنون في غير من يعقل كيف يجوز ؟ فنقول : لما اعتقد عابدوها أنها تعقل وتميز فورد هذا اللفظ بناء على ما يعتقدونه ويتصورونه ، ونظيره قوله تعالى :( وكل في فلك يسبحون ) [يس : 40] وقوله :( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [يوسف : 4] وقوله :( ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [النمل : 18] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله :( أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ) احتج أصحابنا بهذه الآية على أن العبد غير موجد ولا خالق لأفعاله ، قالوا : لأنه تعالى طعن في إلهية الأجسام بسبب أنها لا تخلق شيئا ، وهذا الطعن إنما يتم لو قلنا إن بتقدير أنها كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلهيتها ، وهذا يقتضي أن كل من كان خالقا كان إلها ، فلو كان العبد خالقا لأفعال نفسه كان إلها ، ولما كان ذلك باطلا علمنا أن العبد غير خالق لأفعال نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية