(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=13ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=13ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الزجاج :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ ) موضعها نصب على معنى(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10وما جعله الله إلا بشرى ) في ذلك الوقت . ويجوز أيضا أن يكون التقدير : اذكروا إذ يغشيكم النعاس أمنة .
المسألة الثانية : في(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يغشيكم ) ثلاث قراءات :
الأولى : قرأ
نافع بضم الياء ، وسكون الغين ، وتخفيف الشين(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النعاس ) بالنصب .
الثانية : ( يغشاكم ) بالألف وفتح الياء وسكون العين ( النعاس ) بالرفع وهي قراءة
أبي عمرو وابن كثير .
الثالثة : قرأ الباقون(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يغشيكم ) بتشديد الشين وضم الياء من التغشية(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النعاس ) بالنصب ، أي يلبسكم النوم . قال
الواحدي : القراءة الأولى من أغشى ، والثانية من غشي ، والثالثة من غشى ، فمن قرأ ( يغشاكم ) فحجته قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أمنة نعاسا ) [ آل عمران : 154 ] يعني : فكما أسند الفعل هناك إلى النعاس والأمنة التي هي سبب النعاس كذلك في هذه الآية ، ومن قرأ ( يغشيكم ) أو(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يغشيكم ) فالمعنى واحد ، وقد جاء التنزيل بهما في قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [يس : 9] وقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=54فغشاها ما غشى ) [النجم : 54] وقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كأنما أغشيت وجوههم ) [يونس : 27] وعلى هذا فالفعل مسند إلى الله .
المسألة الثالثة : أنه تعالى لما ذكر أنه استجاب دعاءهم ووعدهم بالنصر فقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=19877_28979وما النصر إلا من عند الله ) ذكر عقيبه وجوه النصر وهي ستة أنواع :
الأول : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ) أي من قبل الله ،
[ ص: 107 ] واعلم أن كل نوم ونعاس فإنه لا يحصل إلا من قبل الله تعالى ، فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله تعالى لا بد فيه من مزيد فائدة ، وذكروا فيه وجوها :
أحدها : أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يأخذه النوم ، وإذا نام الخائفون أمنوا ، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن .
وثانيها : أنهم خافوا من جهات كثيرة :
أحدها : قلة المسلمين وكثرة الكفار .
وثانيها : الأهبة والآلة والعدة للكافرين وقلتها للمؤمنين .
وثالثها : العطش الشديد ، فلولا حصول هذا النعاس وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر .
والوجه الثالث في بيان كون ذلك النعاس نعمة في حقهم : أنهم ما ناموا نوما غرقا يتمكن العدو من معافصتهم بل كان ذلك نعاسا يحصل لهم زوال الإعياء والكلال مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله ولقدروا على دفعه .
والوجه الرابع : أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم ، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة؛ فلهذا السبب قيل : إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز .
فإن قيل : فإن كان الأمر كما ذكرتم فلم خافوا بعد ذلك النعاس ؟ .
قلنا : لأن المعلوم أن الله تعالى يجعل جند الإسلام مظفرا منصورا وذلك لا يمنع من صيرورة قوم منهم مقتولين .
فإن قيل : إذا قرئ ( يغشيكم ) بالتخفيف والتشديد ونصب(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النعاس ) فالضمير لله عز وجل و(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11أمنة ) مفعول له . أما
nindex.php?page=treesubj&link=28979_34077إذا قرئ ( يغشاكم النعاس ) فكيف يمكن جعل قوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11أمنة ) مفعولا له ، مع أن المفعول له يجب أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل ؟ .
قلنا : قوله : (يغشاكم) وإن كان في الظاهر مسندا إلى النعاس ، إلا أنه في الحقيقة مسند إلى الله تعالى ، فصح هذا التعليل نظرا إلى المعنى . قال صاحب "الكشاف" : وقرئ ( أمنة ) بسكون الميم ، ونظير أمن أمنة ، حيي حياة ، ونظير أمن "أمنة" رحم رحمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : النعاس في القتال أمنة من الله ، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان .
النوع الثاني : من أنواع نعم الله تعالى المذكورة في هذا الموضع قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان ) ولا شبهة أن المراد منه المطر ، وفي الخبر أن القوم سبقوا إلى موضع الماء واستولوا عليه ، وطمعوا لهذا السبب أن تكون لهم الغلبة ، وعطش المؤمنون وخافوا ، وأعوزهم الماء للشرب والطهارة ، وأكثرهم احتلموا وأجنبوا ، وانضاف إلى ذلك أن ذلك الموضع كان رملا تغوص فيه الأرجل ويرتفع منه الغبار الكثير ، وكان الخوف حاصلا في قلوبهم بسبب كثرة العدو وسبب كثرة آلاتهم وأدواتهم ، فلما أنزل الله تعالى ذلك المطر صار ذلك دليلا على حصول النصرة والظفر ، وعظمت النعمة به من جهات :
أحدها : زوال العطش ، فقد روي أنهم حفروا موضعا في الرمل ، فصار كالحوض الكبير ، واجتمع فيه الماء حتى شربوا منه وتطهروا وتزودوا .
وثانيها : أنهم اغتسلوا من ذلك الماء ، وزالت الجنابة عنهم ، وقد علم بالعادة أن المؤمن يكاد يستقذر نفسه إذا كان جنبا ، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال ، ويضطرب قلبه لأجل هذا السبب ، فلا جرم عد تعالى وتقدس تمكينهم من الطهارة من جملة نعمه .
[ ص: 108 ]
وثالثها : أنهم لما عطشوا ولم يجدوا الماء ثم ناموا واحتلموا تضاعفت حاجتهم إلى الماء ثم إن المطر نزل فزالت عنهم تلك البلية والمحنة وحصل المقصود ، وفي هذه الحالة ما قد يستدل به على زوال العسر وحصول اليسر والمسرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=13ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=13ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الزَّجَّاجُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ ) مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى مَعْنَى(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى ) فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : اذْكُرُوا إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يُغَشِّيكُمُ ) ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ :
الْأُولَى : قَرَأَ
نَافِعٌ بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَسُكُونِ الْغَيْنِ ، وَتَخْفِيفِ الشِّينِ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النُّعَاسَ ) بِالنَّصْبِ .
الثَّانِيَةُ : ( يَغْشَاكُمْ ) بِالْأَلِفِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ ( النُّعَاسُ ) بِالرَّفْعِ وَهِيَ قِرَاءَةُ
أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ .
الثَّالِثَةُ : قَرَأَ الْبَاقُونَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يُغَشِّيكُمُ ) بِتَشْدِيدِ الشِّينِ وَضَمِّ الْيَاءِ مِنَ التَّغْشِيَةِ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النُّعَاسَ ) بِالنَّصْبِ ، أَيْ يُلْبِسَكُمُ النَّوْمَ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْقِرَاءَةُ الْأُولَى مِنْ أَغْشَى ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ غَشِيَ ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ غَشَّى ، فَمَنْ قَرَأَ ( يَغْشَاكُمْ ) فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أَمَنَةً نُعَاسًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 154 ] يَعْنِي : فَكَمَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ هُنَاكَ إِلَى النُّعَاسِ وَالْأَمَنَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ النُّعَاسِ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَمَنْ قَرَأَ ( يُغْشِيكُمْ ) أَوْ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11يُغَشِّيكُمُ ) فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَقَدْ جَاءَ التَّنْزِيلُ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=9فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) [يس : 9] وَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=54فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ) [النَّجْمِ : 54] وَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ ) [يُونُسَ : 27] وَعَلَى هَذَا فَالْفِعْلُ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَجَابَ دُعَاءَهُمْ وَوَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ فَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=19877_28979وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) ذَكَرَ عَقِيبَهُ وُجُوهَ النَّصْرِ وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ) أَيْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ ،
[ ص: 107 ] وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ نَوْمٍ وَنُعَاسٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَتَخْصِيصُ هَذَا النُّعَاسِ بِأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَزِيدِ فَائِدَةٍ ، وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْخَائِفَ إِذَا خَافَ مِنْ عَدُوِّهِ الْخَوْفَ الشَّدِيدَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ ، وَإِذَا نَامَ الْخَائِفُونَ أَمِنُوا ، فَصَارَ حُصُولُ النَّوْمِ لَهُمْ فِي وَقْتِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ يَدُلُّ عَلَى إِزَالَةِ الْخَوْفِ وَحُصُولِ الْأَمْنِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُمْ خَافُوا مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ :
أَحَدُهَا : قِلَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةُ الْكُفَّارِ .
وَثَانِيهَا : الْأُهْبَةُ وَالْآلَةُ وَالْعُدَّةُ لِلْكَافِرِينَ وَقِلَّتُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ .
وَثَالِثُهَا : الْعَطَشُ الشَّدِيدُ ، فَلَوْلَا حُصُولُ هَذَا النُّعَاسِ وَحُصُولُ الِاسْتِرَاحَةِ حَتَّى تَمَكَّنُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الْقِتَالِ لَمَا تَمَّ الظَّفَرُ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ كَوْنِ ذَلِكَ النُّعَاسِ نِعْمَةً فِي حَقِّهِمْ : أَنَّهُمْ مَا نَامُوا نَوْمًا غَرَقًا يَتَمَكَّنُ الْعَدُوُّ مِنْ مُعَافَصَتِهِمْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ نُعَاسًا يَحْصُلُ لَهُمْ زَوَالُ الْإِعْيَاءِ وَالْكَلَالِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا بِحَيْثُ لَوْ قَصَدَهُمُ الْعَدُوُّ لَعَرَفُوا وُصُولَهُ وَلَقَدَرُوا عَلَى دَفْعِهِ .
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ غَشِيَهُمْ هَذَا النُّعَاسُ دُفْعَةً وَاحِدَةً مَعَ كَثْرَتِهِمْ ، وَحُصُولُ النُّعَاسِ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ فِي الْخَوْفِ الشَّدِيدِ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ النُّعَاسَ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُعْجِزِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَلِمَ خَافُوا بَعْدَ ذَلِكَ النُّعَاسِ ؟ .
قُلْنَا : لِأَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ جُنْدَ الْإِسْلَامِ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَةِ قَوْمٍ مِنْهُمْ مَقْتُولِينَ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا قُرِئَ ( يُغْشِيكُمْ ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَنَصَبَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11النُّعَاسَ ) فَالضَّمِيرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11أَمَنَةً ) مَفْعُولٌ لَهُ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28979_34077إِذَا قُرِئَ ( يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ ) فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُ قَوْلِهِ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11أَمَنَةً ) مَفْعُولًا لَهُ ، مَعَ أَنَّ الْمَفْعُولَ لَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لِفَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُعَلِّلِ ؟ .
قُلْنَا : قَوْلُهُ : (يَغْشَاكُمْ) وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُسْنَدًا إِلَى النُّعَاسِ ، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى . قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَقُرِئَ ( أَمَنَةً ) بِسُكُونِ الْمِيمِ ، وَنَظِيرُ أَمِنَ أَمَنَةً ، حَيِيَ حَيَاةً ، وَنَظِيرُ أَمِنَ "أَمَنَةً" رَحِمَ رَحْمَةً . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ ، وَفِي الصَّلَاةِ وَسْوَسَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِنْ أَنْوَاعِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمَطَرُ ، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ الْقَوْمَ سَبَقُوا إِلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ، وَطَمِعُوا لِهَذَا السَّبَبِ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْغَلَبَةُ ، وَعَطِشَ الْمُؤْمِنُونَ وَخَافُوا ، وَأَعْوَزَهُمُ الْمَاءُ لِلشُّرْبِ وَالطَّهَارَةِ ، وَأَكْثَرُهُمُ احْتَلَمُوا وَأَجْنَبُوا ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَانَ رَمْلًا تَغُوصُ فِيهِ الْأَرْجُلُ وَيَرْتَفِعُ مِنْهُ الْغُبَارُ الْكَثِيرُ ، وَكَانَ الْخَوْفُ حَاصِلًا فِي قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَسَبَبِ كَثْرَةِ آلَاتِهِمْ وَأَدَوَاتِهِمْ ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَطَرَ صَارَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حُصُولِ النُّصْرَةِ وَالظَّفَرِ ، وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ بِهِ مِنْ جِهَاتٍ :
أَحَدُهَا : زَوَالُ الْعَطَشِ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ حَفَرُوا مَوْضِعًا فِي الرَّمْلِ ، فَصَارَ كَالْحَوْضِ الْكَبِيرِ ، وَاجْتَمَعَ فِيهِ الْمَاءُ حَتَّى شَرِبُوا مِنْهُ وَتَطَهَّرُوا وَتَزَوَّدُوا .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُمُ اغْتَسَلُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ ، وَزَالَتِ الْجَنَابَةُ عَنْهُمْ ، وَقَدْ عُلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكَادُ يَسْتَقْذِرُ نَفْسَهُ إِذَا كَانَ جُنُبًا ، وَيَغْتَمُّ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الِاغْتِسَالِ ، وَيَضْطَرِبُ قَلْبُهُ لِأَجْلِ هَذَا السَّبَبِ ، فَلَا جَرَمَ عَدَّ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ تَمْكِينَهُمْ مِنَ الطَّهَارَةِ مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ .
[ ص: 108 ]
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُمْ لَمَّا عَطِشُوا وَلَمْ يَجِدُوا الْمَاءَ ثُمَّ نَامُوا وَاحْتَلَمُوا تَضَاعَفَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْمَاءِ ثُمَّ إِنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ فَزَالَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْبَلِيَّةُ وَالْمِحْنَةُ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَا قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى زَوَالِ الْعُسْرِ وَحُصُولِ الْيُسْرِ وَالْمَسَرَّةِ .