(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) .
اعلم أنه تعالى لما أمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول ، ثم أمرهم باتقاء المعصية ، أكد ذلك التكليف بهذه الآية ، وذلك لأنه تعالى بين أنهم كانوا قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية القلة والذلة ، وبعد ظهوره صاروا في غاية العزة والرفعة ، وذلك يوجب عليهم الطاعة وترك المخالفة . أما بيان الأحوال التي كانوا عليها قبل ظهور
محمد فمن وجوه :
أولها : أنهم كانوا قليلين في العدد .
وثانيها : أنهم كانوا مستضعفين ، والمراد أن غيرهم يستضعفهم ، والمراد من هذا الاستضعاف أنهم كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس ، والمعنى : أنهم كانوا إذا خرجوا من بلدهم خافوا أن يتخطفهم العرب ، لأنهم كانوا يخافون من مشركي العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم ، ثم بين تعالى أنهم بعد أن كانوا كذلك قلبت تلك الأحوال بالسعادات والخيرات :
فأولها : أنه آواهم والمراد منه أنه تعالى نقلهم إلى
المدينة ، فصاروا آمنين من شر الكفار .
وثانيها :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_19877قوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وأيدكم بنصره ) والمراد منه وجود النصر في يوم
بدر .
وثالثها : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26ورزقكم من الطيبات ) وهو أنه تعالى أحل لهم الغنائم بعد أن كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة .
ثم قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26لعلكم تشكرون ) أي نقلناكم من الشدة إلى الرخاء ، ومن البلاء إلى النعماء والآلاء ، حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة ، فكيف يليق بكم أن تشتغلوا بالمنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال ؟ .
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=18854_28979_28861يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر أنه رزقهم من الطيبات ، فههنا منعهم من الخيانة ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في المراد بتلك الخيانة على أقوال :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت هذه الآية في
أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
قريظة لما حاصرهم ، وكان أهله وولده فيهم ، فقالوا : يا
أبا لبابة ما
[ ص: 122 ] ترى لنا أننزل على حكم
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ فينا ؟ فأشار
أبو لبابة إلى حلقه ، أي إنه الذبح فلا تفعلوا ، فكان ذلك منه خيانة لله ورسوله .
الثاني : قال
السدي : كانوا يسمعون الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيشقونه ويلقونه إلى المشركين ، فنهاهم الله عن ذلك .
الثالث : قال
ابن زيد : نهاهم الله أن يخونوا كما صنع المنافقون ، يظهرون الإيمان ويسرون الكفر .
الرابع : عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : أن
أبا سفيان خرج من
مكة ، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم خروجه وعزم على الذهاب إليه ، فكتب إليه رجل من المنافقين أن
محمدا يريدكم فخذوا حذركم ، فأنزل الله هذه الآية .
الخامس : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري والكلبي : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى
أهل مكة لما هم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إليها ، حكاه الأصم .
والسادس : قال القاضي : الأقرب أن خيانة الله غير خيانة رسوله ، وخيانة الرسول غير خيانة الأمانة ، لأن العطف يقتضي المغايرة .
إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى أمرهم أن لا يخونوا الغنائم ، وجعل ذلك خيانة له ، لأنه خيانة لعطيته وخيانة لرسوله لأنه القيم بقسمها ، فمن خانها فقد خان الرسول ، وهذه الغنيمة قد جعلها الرسول أمانة في أيدي الغانمين وألزمهم أن لا يتناولوا لأنفسهم منها شيئا فصارت وديعة ،
nindex.php?page=treesubj&link=6610والوديعة أمانة في يد المودع ، فمن خان منهم فيها فقد خان أمانة الناس ، إذ الخيانة ضد الأمانة ، قال : ويحتمل أن يريد بالأمانة كل ما تعبد به ، وعلى هذا التقدير : فيدخل فيه الغنيمة وغيرها ، فكان معنى الآية : إيجاب أداء التكاليف بأسرها على سبيل التمام والكمال من غير نقص ولا إخلال ، وأما الوجوه المذكورة في سبب نزول الآية فهي داخلة فيها ، لكن لا يجب قصر الآية عليها ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_18852معنى الخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام . ومنه تخونه إذا انتقصه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه .
المسألة الثالثة : في
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28979قوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27وتخونوا أماناتكم ) وجوه :
الأول : التقدير ( ولا تخونوا أماناتكم ) والدليل عليه ما روي في حرف
عبد الله ( ولا تخونوا أماناتكم ) .
الثاني : التقدير : لا تخونوا الله والرسول ، فإنكم إن فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم ، والعرب قد تذكر الجواب تارة بالفاء ، وأخرى بالواو ، ومنهم من أنكر ذلك .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28979قوله تعالى :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27وأنتم تعلمون ) فيه وجوه :
الأول : وأنتم تعلمون أنكم تخونون يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو .
الثاني : وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح ، وحسن الحسن ، ثم إنه لما كان الداعي إلى الإقدام على الخيانة هو حب الأموال والأولاد ، نبه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضار من ذلك الحب ، فقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) لأنها تشغل القلب بالدنيا ، وتصير حجابا عن خدمة المولى .
ثم قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28وأن الله عنده أجر عظيم ) تنبيها على أن سعادات الآخرة خير من سعادات الدنيا لأنها أعظم في الشرف ، وأعظم في الفوز ، وأعظم في المدة ، لأنها تبقى بقاء لا نهاية له ، فهذا هو المراد من وصف الله الأجر الذي عنده بالعظم . ويمكن أن يتمسك بهذه الآية في بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=10800_26821_29533الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح لأن الاشتغال بالنوافل يفيد الأجر العظيم عند الله ، والاشتغال بالنكاح يفيد الولد ويوجب الحاجة إلى
[ ص: 123 ] المال ، وذلك فتنة ، ومعلوم أن ما أفضى إلى الأجر العظيم عند الله ، فالاشتغال به خير مما أفضى إلى الفتنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ الرَّسُولِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ الْمَعْصِيَةِ ، أَكَّدَ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ظُهُورِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ ، وَبَعْدَ ظُهُورِهِ صَارُوا فِي غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةَ وَتَرْكَ الْمُخَالَفَةِ . أَمَّا بَيَانُ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ ظُهُورِ
مُحَمَّدٍ فَمِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ فِي الْعَدَدِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَسْتَضْعِفُهُمْ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِضْعَافِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ النَّاسُ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا خَرَجُوا مِنْ بَلَدِهِمْ خَافُوا أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ الْعَرَبُ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ وَشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا كَذَلِكَ قُلِبَتْ تِلْكَ الْأَحْوَالُ بِالسَّعَادَاتِ وَالْخَيْرَاتِ :
فَأَوَّلُهَا : أَنَّهُ آوَاهُمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَهُمْ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَصَارُوا آمِنِينَ مِنْ شَرِّ الْكُفَّارِ .
وَثَانِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_19877قَوْلُهُ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ وُجُودُ النَّصْرِ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
ثُمَّ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أَيْ نَقَلْنَاكُمْ مِنَ الشِّدَّةِ إِلَى الرَّخَاءِ ، وَمِنَ الْبَلَاءِ إِلَى النَّعْمَاءِ وَالْآلَاءِ ، حَتَّى تَشْتَغِلُوا بِالشُّكْرِ وَالطَّاعَةِ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ أَنْ تَشْتَغِلُوا بِالْمُنَازَعَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ بِسَبَبِ الْأَنْفَالِ ؟ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=18854_28979_28861يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ رَزَقَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، فَهَهُنَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْخِيَانَةِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِتِلْكَ الْخِيَانَةِ عَلَى أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
أَبِي لُبَابَةَ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
قُرَيْظَةَ لَمَّا حَاصَرَهُمْ ، وَكَانَ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ فِيهِمْ ، فَقَالُوا : يَا
أَبَا لُبَابَةَ مَا
[ ص: 122 ] تَرَى لَنَا أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِينَا ؟ فَأَشَارَ
أَبُو لُبَابَةَ إِلَى حَلْقِهِ ، أَيْ إِنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ .
الثَّانِي : قَالَ
السُّدِّيُّ : كَانُوا يَسْمَعُونَ الشَّيْءَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَشُقُّونَهُ وَيُلْقُونَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : نَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَخُونُوا كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّونَ الْكُفْرَ .
الرَّابِعُ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ خَرَجَ مِنْ
مَكَّةَ ، فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَهُ وَعَزَمَ عَلَى الذَّهَابِ إِلَيْهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ
مُحَمَّدًا يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ .
الْخَامِسُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ وَالْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ كَتَبَ إِلَى
أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهَا ، حَكَاهُ الْأَصَمُّ .
وَالسَّادِسُ : قَالَ الْقَاضِي : الْأَقْرَبُ أَنَّ خِيَانَةَ اللَّهِ غَيْرُ خِيَانَةِ رَسُولِهِ ، وَخِيَانَةَ الرَّسُولِ غَيْرُ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ ، لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَخُونُوا الْغَنَائِمَ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَهُ ، لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ لِعَطِيَّتِهِ وَخِيَانَةٌ لِرَسُولِهِ لِأَنَّهُ الْقَيِّمُ بِقَسْمِهَا ، فَمَنْ خَانَهَا فَقَدْ خَانَ الرَّسُولَ ، وَهَذِهِ الْغَنِيمَةُ قَدْ جَعَلَهَا الرَّسُولُ أَمَانَةً فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ وَأَلْزَمَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاوَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَارَتْ وَدِيعَةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=6610وَالْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودِعِ ، فَمِنْ خَانَ مِنْهُمْ فِيهَا فَقَدْ خَانَ أَمَانَةَ النَّاسِ ، إِذِ الْخِيَانَةُ ضِدُّ الْأَمَانَةِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَمَانَةِ كُلَّ مَا تُعُبِّدَ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيمَةُ وَغَيْرُهَا ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ : إِيجَابُ أَدَاءِ التَّكَالِيفِ بِأَسْرِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا إِخْلَالٍ ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيهَا ، لَكِنْ لَا يَجِبُ قَصْرُ الْآيَةِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_18852مَعْنَى الْخَوْنِ النَّقْصُ ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْوَفَاءِ التَّمَامُ . وَمِنْهُ تَخَوَّنَهُ إِذَا انْتَقَصَهُ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي ضِدِّ الْأَمَانَةِ وَالْوَفَاءِ ، لِأَنَّكَ إِذَا خُنْتَ الرَّجُلَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28979قَوْلِهِ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ ( وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي حَرْفِ
عَبْدِ اللَّهِ ( وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) .
الثَّانِي : التَّقْدِيرُ : لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ خُنْتُمْ أَمَانَاتِكُمْ ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَذْكُرُ الْجَوَابَ تَارَةً بِالْفَاءِ ، وَأُخْرَى بِالْوَاوِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28979قَوْلُهُ تَعَالَى :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَخُونُونَ يَعْنِي أَنَّ الْخِيَانَةَ تُوجَدُ مِنْكُمْ عَنْ تَعَمُّدٍ لَا عَنْ سَهْوٍ .
الثَّانِي : وَأَنْتُمْ عُلَمَاءُ تَعْلَمُونَ قُبْحَ الْقَبِيحِ ، وَحُسْنَ الْحَسَنِ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّاعِي إِلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْخِيَانَةِ هُوَ حُبُّ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ، نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ الْمَضَارِّ مِنْ ذَلِكَ الْحُبِّ ، فَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِالدُّنْيَا ، وَتَصِيرُ حِجَابًا عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى .
ثُمَّ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ سِعَادَاتِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ سِعَادَاتِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ فِي الشَّرَفِ ، وَأَعْظَمُ فِي الْفَوْزِ ، وَأَعْظَمُ فِي الْمُدَّةِ ، لِأَنَّهَا تَبْقَى بَقَاءً لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ الْأَجْرَ الَّذِي عِنْدَهُ بِالْعِظَمِ . وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10800_26821_29533الِاشْتِغَالَ بِالنَّوَافِلِ أَفْضَلُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنَّوَافِلِ يُفِيدُ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ يُفِيدُ الْوَلَدَ وَيُوجِبُ الْحَاجَةَ إِلَى
[ ص: 123 ] الْمَالِ ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْأَجْرِ الْعَظِيمِ عِنْدَ اللَّهِ ، فَالِاشْتِغَالُ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا أَفْضَى إِلَى الْفِتْنَةِ .