الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويبين الله (تعالى) حال القواعد من النساء؛ فقال - عز من قائل -: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ؛ " القواعد " ؛ جمع " قاعدة " ؛ بالتاء؛ وهي التي لا تحيض؛ ولا قدرة لها على العمل؛ ولا تستخدم عادة في البيوت؛ وقال بعض اللغويين: " القواعد " ؛ هنا: جمع " قاعد " ؛ من غير تاء؛ وهي قعود الكبر؛ وحذفت التاء ليكون الحذف مميزا لها عن غيرها؛ كما حذفت التاء في " حامل " ؛ في " حاملة " ؛ لتتميز عن الحاملة على كتفها؛ كحاملة الحطب.

                                                          وإن الآية واردة في النساء القعود عن العمل في البيت؛ اللاتي لا يرجون نكاحا؛ أي: لا يطمعن في زواج; لأنهن من الكبر العاتي يجعلهن لا يرجونه؛ لهذه [ ص: 5229 ] السن؛ ولأنهن في حال لن يقبل الناس على الزواج منهن؛ وهذه الأوقات التي تكشف فيها عورات غيرهن؛ لا عبرة لها عندهن؛ ولا تعد هذه الأوقات عورات لهن؛ وليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن؛ أي: يلقين عن أنفسهن ثيابهن؛ كالخمار؛ ونحوه؛ مما يتستر به الشواب اللائي يطمع فيهن؛ ويرجون النكاح؛ لأنهن في سن الزواج؛ وليس معنى ذلك أن للقواعد أن يتجردن من الثياب؛ ويكن في البيت عاريات؛ بل المراد أنهن يضعن بعض الثياب التي يثقل عليهن حملها؛ ولذا كانت قراءة ابن مسعود " أن يضعن من ثيابهن " ؛ أي: بعض ثيابهن؛ والبعضية؛ وإن لم تكن " من " ؛ في القراءات الأخريات؛ ملاحظة فيها؛ وهي مفهومة من سياق القول.

                                                          وقد لاحظ الله (تعالى) في القرآن ما يكون من بعض العجزة؛ من رغبة شديدة في الزينة؛ ناسيات سنهن؛ وما ينبغي لمثلهن؛ ولذا قال: غير متبرجات بزينة ؛ " التبرج " : الظهور بالزينة؛ أي: غير مظهرات الزينة؛ كان الإسلام تسامح معهن في الزينة؛ وإن لم تكن في وقتها؛ بيد أنه لم يرض لهن إكراما لهن بأن يظهرن بها.

                                                          وقد فرض الله فيهن الرغبة في الرجال؛ ولو كان وقتها قد فات؛ فقال: وأن يستعففن خير لهن ؛ السين والتاء للطلب؛ والمعنى: وأن يطلبن العفة خير لهن؛ وفي هذا تنبيه كريم إلى ما ينبغي لهن من غير أن يؤذي إحساسهن؛ وفيه تذكر بما ينبغي؛ وبما يليق بهن في رفق قول؛ وقد ختم الله (تعالى) الآية بقوله: والله سميع عليم ؛ أي: علم علما دقيقا؛ هو علم من يسمع؛ وعليم؛ فهو محيط بكل شيء علما.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية