nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29002_19863_29468يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
إن لم يكن يا أيها الناس خطابا خاصا بالمشركين فهو عام لجميع الناس كما تقرر في أصول الفقه ، فيعم المؤمن والمشرك والمعطل في ذلك الوقت وفي سائر الأزمان إذ الجميع مأمورون بتقوى الله وأن الخطوات الموصلة إلى التقوى متفاوتة على حسب تفاوت بعد السائرين عنها ، وقد كان فيما سبق من السورة حظوظ للمؤمنين وحظوظ للمشركين فلا يبعد أن تعقب بما يصلح لكلا الفريقين ، وإن كان الخطاب خاصا بالمشركين جريا على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن يا أيها الناس خطاب
لأهل مكة ، فالمراد بالتقوى : الإقلاع عن الشرك .
وموقع هذه الآية بعد ما تقدمها من الآيات موقع مقصد الخطبة بعد مقدماتها إذ كانت المقدمات الماضية قد هيأت النفوس إلى قبول الهداية والتأثر بالموعظة الحسنة ، وإن لاصطياد الحكماء فرصا يحرصون على عدم إضاعتها ، وأحسن مثلها قول
الحريري في المقامة الحادية عشرة ( فلما ألحدوا الميت ، وفات قول ليت ، أشرف شيخ من رباوة ، متخصر بهراوة ، فقال : لمثل هذا فليعمل العاملون ، فاذكروا أيها الغافلون ، وشمروا أيها المقصرون ) إلخ فأما القلوب القاسية ، والنفوس المتعاصية ، فلن تأسوها آسية .
[ ص: 193 ] ولاعتبار هذا الموقع جعلت الجملة استئنافا لأنها بمنزلة الفذلكة والنتيجة .
والتقوى تبتدئ من الاعتراف بوجود الخالق ووحدانيته وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتنتهي إلى اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات في الظاهر والباطن في سائر الأحوال . وتقدم تفصيلها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين في سورة البقرة وتقدم نظير هذا في سورة الحج .
وخشية اليوم : الخوف من أهوال ما يقع فيه إذ الزمان لا يخشى لذاته ، فانتصب يوما على المفعول به . والأمر بخشيته تتضمن وقوعه فهو كناية عن
nindex.php?page=treesubj&link=30336إثبات البعث وذلك حظ المشركين منه الذين لا يؤمنون به حتى صار سمة عليهم قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وقال الذين لا يرجون لقاءنا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي والد عن ولده إلخ صفة يوم وحذف منها العائد المجرور بـ ( في ) توسعا بمعاملته معاملة العائد المنصوب كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا في سورة البقرة .
وجزى إذا عدي بـ ( عن ) فهو بمعنى قضى عنه ودفع عنه ، ولذلك يقال للمتقاضي : المتجازي .
وجملة ( ولا مولود ) إلخ عطف على الصفة ومولود مبتدأ ، وهو ضمير فصل . وجاز خبر المبتدأ .
وذكر الوالد والولد هنا لأنهما أشد محبة وحمية من غيرهما فيعلم أن غيرهما أولى بهذا النفي قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يوم يفر المرء من أخيه nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=35وأمه وأبيه الآية .
وابتدئ بـ ( الوالد ) لأنه أشد شفقة على ابنه فلا يجد له مخلصا من سوء إلا فعله .
ووجه اختيار هذه الطريقة في إفادة عموم النفي هنا دون طريقة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا في سورة البقرة أن هذه الآية نزلت
بمكة وأهلها يومئذ خليط من مسلمين وكافرين ، وربما كان الأب مسلما والولد كافرا وربما كان العكس ، وقد يتوهم بعض الكافرين حين تداخلهم الظنون في مصيرهم
[ ص: 194 ] بعد الموت أنه إذا ظهر صدق وعيد القرآن إياهم فإن من له أب مسلم أو ابن مسلم يدفع عنه هنالك بما يدل به على رب هذا الدين ، وقد كان قارا في نفوس العرب التعويل على المولى والنصير تعويلا على أن الحمية والأنفة تدفعهم إلى الدفاع عنهم في ذلك الجمع وإن كانوا من قبل مختلفين لهم لضيق عطن أفهامهم يقيسون الأمور على معتادهم .
وهذا أيضا وجه الجمع بين نفي جزاء الوالد عن ولده وبين نفي جزاء الولد عن والده ليشمل الفريقين في الحالتين فلا يتوهم أن أحد الفريقين أرجى في المقصود .
ثم أوثرت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا مولود هو جاز عن والده شيئا بطرق من التوكيد لم تشتمل على مثلها جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لا يجزي والد عن ولده فإنها نظمت جملة اسمية ، ووسط فيها ضمير الفصل ، وجعل النفي فيها منصبا إلى الجنس . ونكتة هذا الإيثار مبالغة تحقيق عدم جزء هذا الفريق عن الآخر إذ كان معظم المؤمنين من الأبناء والشباب ، وكان آباؤهم وأمهاتهم في الغالب على الشرك مثل
أبي قحافة والد
أبي بكر وأبي طالب والد
علي وأم
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وأم
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر ، فأريد حسم أطماع آبائهم وما عسى أن يكون من أطماعهم أن ينفعوا آباءهم في الآخرة بشيء .
وعبر فيها بـ ( مولود ) دون ولد لإشعار مولود بالمعنى الاشتقاقي دون ( ولد ) الذي هو اسم بمنزلة الجوامد لقصد التنبيه على أن تلك الصلة الرقيقة لا تخول صاحبها التعرض لنفع أبيه المشرك في الآخرة وفاء له بما تومئ إليه المولودية من تجشم المشقة من تربيته ، فلعله يتجشم الإلحاح في الجزاء عنه في الآخرة حسما لطمعه في الجزاء عنه ، فهذا تعكيس للترقيق الدنيوي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وصاحبهما في الدنيا معروفا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33إن وعد الله حق علة لجملتي
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33اتقوا ربكم واخشوا يوما . ووعد الله : هو البعث ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=48ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون .
وأكد الخبر بـ ( إن ) مراعاة لمنكري البعث ، وإذ قد كانت شبهتهم في إنكاره
[ ص: 195 ] مشاهدة الناس يموتون ويخلفهم أجيال آخرون ولم يرجع أحد ممن مات منهم
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=29إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين .
فرع على هذا التأكيد إبطال شبهتهم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، أي لا تغرنكم حالة الحياة الدنيا بأن تتوهموا الباطل حقا والضر نفعا ، فإسناد التغرير إلى الحياة الدنيا مجاز عقلي لأن الدنيا ظرف الغرور أو شبهته ، وفاعل التغرير حقيقة هم الذين يضلونهم بالأقيسة الباطلة فيشبهون عليهم إبطاء الشيء باستحالته فذكرت هنا وسيلة التغرير وشبهته ثم ذكر بعده الفاعل الحقيقي للتغرير وهو الغرور . والغرور بفتح الغين : من يكثر منه التغرير ، والمراد به الشيطان بوسوسته وما يليه في نفوس دعاة الضلالة من شبه التمويه للباطل في صورة وما يلقيه في نفوس أتباعهم من قبول تغريرهم .
وعطف
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا يغرنكم بالله الغرور لأنه أدخل في تحذيرهم ممن يلقون إليهم الشبه أو من أوهام أنفسهم التي تخيل لهم الباطل حقا ليهموا آراءهم . وإذا أريد بالغرور الشيطان أو ما يشمله فذلك أشد في التحذير لما تقرر من عداوة الشيطان للإنسان ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ، ففي التحذير شوب من التنفير .
والباء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا يغرنكم بالله هي كالباء في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم . وقرر في الكشاف في سورة الانفطار معنى الباء بما يقتضي أنها للسببية ، وبالضرورة يكون السبب شأنا من شئون الله يناسب المقام لا ذات الله تعالى . والذي يناسب هنا أن يكون النهي عن الاغترار بما يسوله الغرور للمشركين كتوهم أن الأصنام شفعاء لهم عند الله في الدنيا واقتناعهم بأنه إذا ثبت البعث عن احتمال مرجوح عندهم شفعت لهم يومئذ أصنامهم ، أو يغرهم بأن الله لو أراد البعث كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لبعث آباءهم وهم ينظرون ، أو أن يغرهم بأن الله لو أراد بعث الناس لعجل لهم ذلك وهو ما حكى الله عنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=48ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين فذلك كله غرور لهم مسبب بشئون الله تعالى ففي
[ ص: 196 ] هذا ما يوضح معنى الباء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ولا يغرنكم بالله الغرور . وقد جاء مثله في سورة الحديد . وهذا الاستعمال في تعدية فعل الغرور بالباء قريب من تعديته بـ ( من ) الابتدائية في قول امرئ القيس :
أغرك مني أن حبك قاتلي
أي لا يغرنك من معاملتي معك أن حبك قاتلي .
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29002_19863_29468يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابًا خَاصًّا بِالْمُشْرِكِينَ فَهُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، فَيَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْمُشْرِكَ وَالْمُعَطِّلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ إِذِ الْجَمِيعُ مَأْمُورُونَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَنَّ الْخُطُوَاتِ الْمُوصِلَةَ إِلَى التَّقْوَى مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ بُعْدِ السَّائِرِينَ عَنْهَا ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا سَبَقَ مِنَ السُّورَةِ حُظُوظٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَحُظُوظٌ لِلْمُشْرِكِينَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُعَقَّبَ بِمَا يَصْلُحُ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ خَاصًّا بِالْمُشْرِكِينَ جَرْيًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابٌ
لِأَهْلِ مَكَّةَ ، فَالْمُرَادُ بِالتَّقْوَى : الْإِقْلَاعُ عَنِ الشِّرْكِ .
وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الْآيَاتِ مَوْقِعُ مَقْصِدِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ مُقَدِّمَاتِهَا إِذْ كَانَتِ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَاضِيَةُ قَدْ هَيَّأَتِ النُّفُوسَ إِلَى قَبُولِ الْهِدَايَةِ وَالتَّأَثُّرِ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَإِنَّ لِاصْطِيَادِ الْحُكَمَاءِ فُرَصًا يَحْرِصُونَ عَلَى عَدَمِ إِضَاعَتِهَا ، وَأَحْسَنُ مُثُلِهَا قَوْلُ
الْحَرِيرِيِّ فِي الْمَقَامَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ( فَلَمَّا أَلْحَدُوا الْمَيْتَ ، وَفَاتَ قَوْلُ لَيْتَ ، أَشْرَفَ شَيْخٌ مِنْ رَبَاوَةٍ ، مُتَخَصِّرٌ بِهَرَاوَةٍ ، فَقَالَ : لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ، فَاذْكُرُوا أَيُّهَا الْغَافِلُونَ ، وَشَمِّرُوا أَيُّهَا الْمُقَصِّرُونَ ) إِلَخْ فَأَمَّا الْقُلُوبُ الْقَاسِيَةُ ، وَالنُّفُوسُ الْمُتَعَاصِيَةُ ، فَلَنْ تَأْسُوَهَا آسِيَةٌ .
[ ص: 193 ] وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَوْقِعِ جُعِلَتِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْفَذْلَكَةِ وَالنَّتِيجَةِ .
وَالتَّقْوَى تَبْتَدِئُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْتَهِي إِلَى اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ . وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ .
وَخَشْيَةُ الْيَوْمِ : الْخَوْفُ مِنْ أَهْوَالِ مَا يَقَعُ فِيهِ إِذِ الزَّمَانُ لَا يُخْشَى لِذَاتِهِ ، فَانْتَصَبَ يَوْمًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ . وَالْأَمْرُ بِخَشْيَتِهِ تَتَضَمَّنُ وُقُوعَهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30336إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَذَلِكَ حَظُّ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى صَارَ سِمَةً عَلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ إِلَخْ صِفَةُ يَوْمٍ وَحُذِفَ مِنْهَا الْعَائِدُ الْمَجْرُورُ بِـ ( فِي ) تَوَسُّعًا بِمُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَجَزَى إِذَا عُدِّيَ بِـ ( عَنْ ) فَهُوَ بِمَعْنَى قَضَى عَنْهُ وَدَفَعَ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمُتَقَاضِي : الْمُتَجَازِي .
وَجُمْلَةُ ( وَلَا مَوْلُودٌ ) إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى الصِّفَةِ وَمَوْلُودٌ مُبْتَدَأٌ ، وَهُوَ ضَمِيرُ فَصْلٍ . وَجَازَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ .
وَذِكْرُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ هُنَا لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ مَحَبَّةً وَحَمِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمَا فَيُعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا أَوْلَى بِهَذَا النَّفْيِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=35وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ الْآيَةَ .
وَابْتُدِئَ بِـ ( الْوَالِدِ ) لِأَنَّهُ أَشَدُّ شَفَقَةً عَلَى ابْنِهِ فَلَا يَجِدُ لَهُ مَخْلَصًا مِنْ سُوءٍ إِلَّا فِعْلَهُ .
وَوَجْهُ اخْتِيَارِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي إِفَادَةِ عُمُومِ النَّفْيِ هُنَا دُونَ طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ وَأَهْلُهَا يَوْمَئِذٍ خَلِيطٌ مِنْ مُسْلِمِينَ وَكَافِرِينَ ، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَالْوَلَدُ كَافِرًا وَرُبَّمَا كَانَ الْعَكْسُ ، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْكَافِرِينَ حِينَ تُدَاخِلُهُمُ الظُّنُونُ فِي مَصِيرِهِمْ
[ ص: 194 ] بَعْدَ الْمَوْتِ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ صِدْقُ وَعِيدِ الْقُرْآنِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَبٌ مُسْلِمٌ أَوِ ابْنٌ مُسْلِمٌ يَدْفَعُ عَنْهُ هُنَالِكَ بِمَا يَدُلُّ بِهِ عَلَى رَبِّ هَذَا الدِّينِ ، وَقَدْ كَانَ قَارًّا فِي نُفُوسِ الْعَرَبِ التَّعْوِيلُ عَلَى الْمَوْلَى وَالنَّصِيرِ تَعْوِيلًا عَلَى أَنَّ الْحَمِيَّةَ وَالْأَنَفَةَ تَدْفَعُهُمْ إِلَى الدِّفَاعِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ مُخْتَلِفِينَ لَهُمْ لِضِيقِ عَطَنِ أَفْهَامِهِمْ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ عَلَى مُعْتَادِهِمْ .
وَهَذَا أَيْضًا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ نَفْيِ جَزَاءِ الْوَالِدِ عَنْ وَلَدِهِ وَبَيْنَ نَفْيِ جَزَاءِ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ لِيَشْمَلَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحَالَتَيْنِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ أَرْجَى فِي الْمَقْصُودِ .
ثُمَّ أُوثِرَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا بِطُرُقٍ مِنَ التَّوْكِيدِ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى مِثْلِهَا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهَا نُظِمَتْ جُمْلَةً اسْمِيَّةً ، وَوُسِّطَ فِيهَا ضَمِيرُ الْفَصْلِ ، وَجُعِلَ النَّفْيُ فِيهَا مُنْصَبًّا إِلَى الْجِنْسِ . وَنُكْتَةُ هَذَا الْإِيثَارِ مُبَالَغَةُ تَحْقِيقِ عَدَمِ جُزْءِ هَذَا الْفَرِيقِ عَنِ الْآخَرِ إِذْ كَانَ مُعْظَمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالشَّبَابِ ، وَكَانَ آبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ فِي الْغَالِبِ عَلَى الشِّرْكِ مِثْلُ
أَبِي قُحَافَةَ وَالِدِ
أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي طَالِبٍ وَالِدِ
عَلِيٍّ وَأُمِّ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأُمِّ
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، فَأُرِيدَ حَسْمُ أَطْمَاعِ آبَائِهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَطْمَاعِهِمْ أَنْ يَنْفَعُوا آبَاءَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِشَيْءٍ .
وَعُبِّرَ فِيهَا بِـ ( مَوْلُودٌ ) دُونَ وَلَدٍ لِإِشْعَارِ مَوْلُودٍ بِالْمَعْنَى الِاشْتِقَاقِيِّ دُونَ ( وَلَدٍ ) الَّذِي هُوَ اسْمٌ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَامِدِ لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصِّلَةَ الرَّقِيقَةَ لَا تُخَوِّلُ صَاحِبَهَا التَّعَرُّضَ لِنَفْعِ أَبِيهِ الْمُشْرِكِ فِي الْآخِرَةِ وَفَاءً لَهُ بِمَا تُومِئُ إِلَيْهِ الْمَوْلُودِيَّةُ مِنْ تَجَشُّمِ الْمَشَقَّةِ مِنْ تَرْبِيَتِهِ ، فَلَعَلَّهُ يَتَجَشَّمُ الْإِلْحَاحَ فِي الْجَزَاءِ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ حَسْمًا لِطَمَعِهِ فِي الْجَزَاءِ عَنْهُ ، فَهَذَا تَعْكِيسٌ لِلتَّرْقِيقِ الدُّنْيَوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ عِلَّةٌ لِجُمْلَتَيِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا . وَوَعْدُ اللَّهِ : هُوَ الْبَعْثُ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=48وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ .
وَأُكِّدَ الْخَبَرُ بِـ ( إِنَّ ) مُرَاعَاةً لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ ، وَإِذْ قَدْ كَانَتْ شُبْهَتُهُمْ فِي إِنْكَارِهِ
[ ص: 195 ] مُشَاهَدَةَ النَّاسِ يَمُوتُونَ وَيَخْلُفُهُمْ أَجْيَالٌ آخَرُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=29إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ .
فُرِّعَ عَلَى هَذَا التَّأْكِيدِ إِبْطَالُ شُبْهَتِهِمْ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ، أَيْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ حَالَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِأَنْ تَتَوَهَّمُوا الْبَاطِلَ حَقًّا وَالضُّرَّ نَفْعًا ، فَإِسْنَادُ التَّغْرِيرِ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ الدُّنْيَا ظَرْفُ الْغَرُورِ أَوْ شُبْهَتُهُ ، وَفَاعِلُ التَّغْرِيرِ حَقِيقَةً هُمُ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِالْأَقْيِسَةِ الْبَاطِلَةِ فَيُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ إِبْطَاءَ الشَّيْءِ بِاسْتِحَالَتِهِ فَذُكِرَتْ هُنَا وَسِيلَةُ التَّغْرِيرِ وَشُبْهَتُهُ ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلتَّغْرِيرِ وَهُوَ الْغَرُورُ . وَالْغَرُورُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ : مَنْ يَكْثُرُ مِنْهُ التَّغْرِيرُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ وَمَا يَلِيهِ فِي نُفُوسِ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ مِنْ شُبَهِ التَّمْوِيهِ لِلْبَاطِلِ فِي صُورَةٍ وَمَا يُلْقِيهِ فِي نُفُوسِ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ قَبُولِ تَغْرِيرِهِمْ .
وَعُطِفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ لِأَنَّهُ أُدْخِلَ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّنْ يُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الشُّبَهَ أَوْ مِنْ أَوْهَامِ أَنْفُسِهِمُ الَّتِي تُخَيِّلُ لَهُمُ الْبَاطِلَ حَقًّا لِيَهِمُوا آرَاءَهُمْ . وَإِذَا أُرِيدَ بِالْغُرُورِ الشَّيْطَانُ أَوْ مَا يَشْمَلُهُ فَذَلِكَ أَشَدُّ فِي التَّحْذِيرِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ لِلْإِنْسَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، فَفِي التَّحْذِيرِ شَوْبٌ مِنَ التَّنْفِيرِ .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ هِيَ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . وَقَرَّرَ فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الِانْفِطَارِ مَعْنَى الْبَاءِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ السَّبَبُ شَأْنًا مِنْ شُئُونِ اللَّهِ يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لَا ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى . وَالَّذِي يُنَاسِبُ هُنَا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الِاغْتِرَارِ بِمَا يُسَوِّلُهُ الْغَرُورُ لِلْمُشْرِكِينَ كَتَوَهُّمِ أَنَّ الْأَصْنَامَ شُفَعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَاقْتِنَاعِهِمْ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْبَعْثُ عَنِ احْتِمَالٍ مَرْجُوحٍ عِنْدَهُمْ شَفَعَتْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَصْنَامُهُمْ ، أَوْ يَغُرُّهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَوْ أَرَادَ الْبَعْثَ كَمَا يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَعَثَ آبَاءَهُمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ، أَوْ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَوْ أَرَادَ بَعْثَ النَّاسِ لَعَجَّلَ لَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=48وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَذَلِكَ كُلُّهُ غُرُورٌ لَهُمْ مُسَبَّبٌ بِشُئُونِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي
[ ص: 196 ] هَذَا مَا يُوَضِّحُ مَعْنَى الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ . وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ . وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ الْغَرُورِ بِالْبَاءِ قَرِيبٌ مِنْ تَعْدِيَتِهِ بِـ ( مِنَ ) الِابْتِدَائِيَّةِ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ :
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
أَيْ لَا يَغُرَّنَّكِ مِنْ مُعَامَلَتِي مَعَكِ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي .