الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 5407 ] القرآن عربي مبين

                                                          قال (تعالى): وإنه لتنـزيل رب العالمين نـزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نـزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون

                                                          كان هذا القصص الكريم الذي شمل بعضا من قصة موسى الكليم؛ وإبراهيم الخليل؛ وقوم نوح؛ وعاد؛ وثمود؛ وأصحاب الأيكة؛ مصورا لطبائع المفسدين؛ ومقاومة النبيين؛ وطلب المعجزات المادية؛ واستجابة الله (تعالى) لهم في معجزاتهم؛ وكفر أكثرهم من غير ارتداع؛ أخذ يبين - سبحانه - من بعد ذلك المعجزة الكبرى الخالدة؛ وهي القرآن الكريم؛ فقال: وإنه لتنـزيل رب العالمين نـزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين " ؛ الضمير في قوله (تعالى): " إنه " ؛ يعود على القرآن الكريم; لأنه - وإن لم يكن له ذكر في اللفظ - هو مذكور في نفوس المؤمنين والمشركين؛ أما ذكره في قلوب المؤمنين؛ فلأنها عامرة به سامعة لتلاوته وتقشعر أبدانهم لسماعه؛ ويطمئنون بتلاوته؛ وأما ذكر الجاحدين له فلأنهم في حيرة من بلاغته؛ وأصابت قلوبهم [ ص: 5408 ] فصاحته؛ وهم في ردهم له يخالط نفوسهم بحلاوته وجلاله؛ فهو مذكور عند المؤمن به؛ والجاحد له.

                                                          وقد وصفه الله - سبحانه وتعالى - بثلاث صفات معلية له؛ مشرفة بنسبته؛ فوق شرفه الذاتي؛ من بلاغة وشمول الشرع؛ الأولى: أنه تنزيل من رب العالمين؛ و " التنزيل " : النزول جزءا بعد جزء منجما مقطعا؛ ليسهل حفظه؛ وليرتل ترتيلا؛ وليعلم النبي قراءته وتلاوته؛ ويتعلمها منه أصحابه؛ وبذلك تكون تلاوة القرآن مرتلا متواترة؛ كما قال (تعالى): إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون ؛ وقد أشرنا إلى ذلك في عدة مواضع؛ عند ذكر معاني الذكر الحكيم؛ الثانية: أنه نزل بالوحي؛ نزل به الروح الأمين على قلبك؛ الروح الأمين ؛ هو جبريل؛ وهو روح القدس؛ نزل بهذا القرآن؛ وكان نزوله على قلبك؛ فاتصل به؛ ووعاه؛ وحفظه مرتلا؛ لتكون من المنذرين ؛ لأنك تعلمت علمه وأوتيت حكمته؛ وعلمت شريعته لتكون من المنذرين أهل الضلالة عن غوايتهم؛ ودعوتهم إلى التوحيد؛ ولم ذكر المنذر دون المبشر؛ وهو بشير ونذير؟ لأن هداية المشركين تكون - أولا - بالإنذار؛ والتبشير يكون بالإقلاع عن الشرك؛ ولذلك كان أول دعوته بالإنذار؛ إذ قال: إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ؛ عندما استجاب لقوله (تعالى): وأنذر عشيرتك الأقربين ؛ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أنا النذير العريان " ؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية