الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1156 ] بسم الله الرحمن الرحيم

( باب تمني الموت وذكره )

( الفصل الأول )

1598 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يتمنى أحدكم الموت ) ، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب " . رواه البخاري .

التالي السابق


( باب تمني الموت

أي : حكم تمنيه . ( وذكره ) أي : فضل ذكر الموت .

( الفصل الأول )

1598 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يتمنى أحدكم الموت ) نهي في صورة النفي مبالغة . قال الطيبـي : الياء في قوله لا يتمنى مثبتة في رسم الخط في كتب الحديث ، فلعله نهي ورد على صيغة الخبر ، أو المراد منه لا يتمنى فأجري مجرى الصحيح ، وقال ابن حجر بالرفع كما هو في كتب الحديث ، فهو خبر بمعنى الأمر ، وفيه أنه سهو قلم وصوابه بمعنى النهي ، ومقوله كـ ( لا يمسه إلا المطهرون ) أي : على قول وأما قوله كالزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة بالرفع فمبني على قول ضعيف ، وقال ابن الملك : في شرح المصابيح : لا يتمنين بنون التأكيد ، وفي بعض النسخ بدونها ودون الياء وبالياء أيضا ، نهيا على صيغة الخبر أي : لا يتمنى أحدكم الموت من ضر أصابه ; وهذا لأن الحياة حكم الله تعالى عليه ، وطلب زوال الحياة عدم الرضا بالحكم اهـ . والنفي بمعنى النهي أبلغ لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه وعدم وقوعه عنه بالكلية ، أو لما نهى عنه ينتهي ، فأخبر عنه بالنفي ، وأما ما قيل : من أنه لو ترك على الإخبار المحض لكان أولى فغير صحيح من جهة إيهام الخلف في الخبر ; إذ كثيرا ما وجد التمني وغيره ; ولأنه حينئذ لا يصلح استدلال الأئمة به على الكراهة . وقال التوربشتي : النهي عن تمني الموت وإن كان مطلقا لكن المراد به المقيد لما في حديث أنس : لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه . وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " . فعلى هذا يكره تمني الموت من ضر أصابه في نفسه أو ماله ; لأنه في معنى التبرم من قضاء الله تعالى ، ولا يكره التمني لخوف فساد في دينه . ( إما محسنا ) قال ابن الملك : بكسر الهمزة ، أصله أن ما فأدغمت ، وما زائدة عوضا عن الفعل المحذوف أي : إن كان محسنا . وقال المالكي : تقديره إما أن يكون محسنا ، وإما أن يكون مسيئا ، فحذف يكون مع اسمها مرتين ، وأبقى الخبر وأكثر ذلك إنما يكون بعد إن ، ولو قال زين العرب كقوله : " الناس مجزيون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر " . ( فلعله ) جواب إن الشرطية . ( أن يزداد خيرا ) وقد ورد في الحديث : " طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله " . وفي لفظ : " خياركم أطولكم أعمارا ، وأحسنكم أعمالا " . والحديث الأول رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية ، والثاني رواه الحاكم ، وأما ما نقله ابن حجر بلفظ : " خياركم من طال عمره ، وحسن عمله " . فلا أصل له ، وإنما هو ملفق من الحديثين ، والله أعلم . قال ابن الملك : لعل هنا بمعنى عسى . وقال بعض شراح المصابيح : الرواية المعتد بها كسر الهمزة في إما ، ونصب محسنا ، وروي بفتح الهمزة ورفع محسن بكونه صفة لمبتدأ محذوف ، وما بعده خبره . ( وإما مسيئا فلعله أن يستعتب ) أي : يسترضي يعني يطلب رضا الله عنه بالتوبة . قال القاضي : الاستعتاب طلب العتبى ، وهو الإرضاء . وقيل : هو الإرضاء . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية