الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الإطعام في الفدية نصف صاع

                                                                                                                                                                                                        1721 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قال جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه فسألته عن الفدية فقال نزلت في خاصة وهي لكم عامة حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى تجد شاة فقلت لا فقال فصم ثلاثة أيامأو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الإطعام في الفدية نصف صاع ) أي : لكل مسكين من كل شيء ، يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره . قال ابن عبد البر : قال أبو حنيفة والكوفيون : نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره . وعن أحمد رواية تضاهي قولهم . قال عياض : وهذا الحديث يرد عليهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ) هو ابن عبد الله ، مر في الجنائز ، وأنه كوفي ثقة . ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر ، عن مجاهد عن ابن أبي ليلى ، عن كعب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الله بن معقل ) في رواية أحمد " سمعت عبد الله بن معقل وهو - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف - أخرجه عن عفان . وعن بهز فرقهما ، عن شعبة ، حدثنا عبد الرحمن هو ابن مقرن ( بالقاف ) وزن محمد لكن بكسر الراء ، لأبيه صحبة ، وهو من ثقات التابعين بالكوفة ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ، وآخر عن عدي بن حاتم ، مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة ، يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة ، وزن محمد ، ويجتمعان في أن كلا منهما مزني ، لكن يفترقان بأن الراوي عن كعب تابعي ، والآخر صحابي ، وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة : أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربي ، والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود ، والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جلست إلى كعب بن عجرة ) زاد مسلم في روايته من طريق غندر ، عن شعبة : وهو في المسجد . ولأحمد ، عن بهز : " قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد " وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن [ ص: 22 ] الأصبهاني " يعني : مسجد الكوفة " . وفيه الجلوس في المسجد ، ومذاكرة العلم ، والاعتناء بسبب النزول ؛ لما يترتب عليه من معرفة الحكم ، وتفسير القرآن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ) في رواية المستملي والحموي " يبلغ بك " و " أرى " الأولى بضم الهمزة ، أي : أظن ، و " أرى " الثانية بفتح الهمزة من الرؤية ، وكذا في قوله : " أو : ما كنت أرى الجهد بلغ بك " وهو شك من الراوي ، هل قال : الوجع أو الجهد؟ والجهد - بالفتح - : المشقة ، قالالنووي والضم لغة في المشقة أيضا ، وكذا حكاه عياض عن ابن دريد ، وقال صاحب " العين " : بالضم الطاقة ، وبالفتح المشقة ، فيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال : " حتى بلغ مني الجهد " فإنه محتمل للمعنيين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقلت : لا ) زاد مسلم وأحمد : " فنزلت هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال : صوم ثلاثة أيام " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لكل مسكين نصف صاع ) كررها مرتين [1] وللطبراني ، عن أحمد بن محمد الخزاعي ، عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه : لكل مسكين نصف صاع تمر ولأحمد ، عن بهز ، عن شعبة : نصف صاع طعام ولبشر بن عمر ، عن شعبة : نصف صاع حنطة ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال : " يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين " . قال ابن حزم : لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات ؛ لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد . قلت : المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث : نصف صاع من طعام ، والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة ، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم ، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق ، وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف ، والمحفوظ رواية التمر ، فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ، ولم يختلف فيه على أبي قلابة .

                                                                                                                                                                                                        وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي ، عن كعب ، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ، ومن طريق أشعث وداود الشعبي ، عن كعب ، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني ، وعرف بذلك قوة قول من قال : لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة ، وأن الواجب ثلاثة آصع ؛ لكل مسكين نصف صاع ، ولمسلم عن ابن أبي عمر ، ، عن سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح وغيره ، عن مجاهد في هذا الحديث : " وأطعم فرقا بين ستة مساكين " والفرق ثلاثة آصع . وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه : " قال سفيان : والفرق ثلاثة آصع " فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج ، لكنه مقتضى الروايات الأخر ، ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد " لكل مسكين نصف صاع " . وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا : " أو أطعم ستة مساكين مدين مدين " وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني : " أو يطعم ستة مساكين ؛ لكل مسكين صاع " فهو تحريف ممن دون مسلم ، والصواب ما في النسخ الصحيحة " لكل مسكينين " بالتثنية ، وكذا أخرجه مسدد في " مسنده " عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية