الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله (تعالى): هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ؛ الآية؛ هؤلاء بنو النضير؛ كان لهم عز ومنعة من اليهود؛ فظن الناس أنهم لعزهم؛ ومنعتهم؛ لا يخرجون من ديارهم؛ وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من الله؛ أي: من أمر الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ؛ كان بنو النضير لما دخل النبي - عليه السلام - المدينة عاقدوه ألا يكونوا عليه؛ ولا معه؛ فلما كان يوم "أحد"؛ وظهر المشركون على المسلمين؛ نكثوا؛ ودخلهم الريب؛ وكان كعب بن الأشرف رئيسا لهم؛ فخرج في ستين رجلا إلى مكة؛ وعاقد المشركين على التظاهر على النبي - عليه السلام -؛ فأطلع الله نبيه - عليه السلام - على ذلك؛ فلما صار إلى المدينة وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة ليقتله؛ وكان محمد بن مسلمة رضيعا لكعب؛ فاستأذن محمد بن مسلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن ينال منه ليعتر كعب بن الأشرف؛ فجاءه محمد [ ص: 144 ] ومعه جماعة؛ فاستنزله من منزله؛ وأوهمه أنه قد حمل عليه في أخذ الصدقة منه؛ فلما نزل أخذ محمد بن مسلمة بناصيته؛ وكبر؛ فخرج أصحابه فقتلوه في مكانه؛ وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غازيا بني النضير؛ فأناخ عليهم؛ وقيل: إنه غزاهم على حمار مخطوم بليف؛ فكان المؤمنون يخربون من منازل بني النضير؛ ليكون لهم أمكنة للقتال؛ وكان بنو النضير يخربون منازلهم ليسدوا بها أبواب أزقتهم؛ لئلا يبقى على المؤمنين؛ فقذف الله في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ؛ ومعنى إخرابها بأيدي المؤمنين أنهم عرضوها لذلك؛ ففارقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجلاء من منازلهم؛ وأن يحملوا ما استقلت به إبلهم ما خلا الفضة والذهب؛ فجلوا إلى الشام؛ وطائفة منهم جلت إلى خيبر؛ وطائفة إلى الحيرة؛ وذلك قوله: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ؛ وهو أول حشر حشر إلى الشام؛ ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام؛ ولذلك قيل: "لأول الحشر"؛ فجميع اليهود والنصارى يجلون من جزيرة العرب؛ وروي عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأخرجن اليهود من جزيرة العرب"؛ قال الخليل: "جزيرة العرب معدنها ومسكنها"؛ وإنما قيل لها: "جزيرة العرب"؛ لأن بحر الحبس؛ وبحر فارس؛ ودجلة؛ والفرات؛ قد أحاطت بها؛ فهي أرضها ومعدنها؛ قال أبو عبيدة: جزيرة العرب من جفر أبي موسى؛ إلى اليمن؛ في الطول؛ ومن رمل بيرين؛ إلى منقطع السماوة في العرض؛ وقال الأصمعي: إلى أقصى عدن أبين؛ إلى أطراف اليمن؛ حتى تبلغ أطراف بوادي الشام.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية