nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29013_31789كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم .
موقع الإشارة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك كموقع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة . والمعنى : مثل هذا الوحي يوحي الله إليك ، فالمشار إليه : الإيحاء المأخوذ من فعل ( يوحي ) .
وأما وإلى الذين من قبلك فإدماج . والتشبيه بالنسبة إليه على أصله ، أي مثل وحيه إليك وحيه إلى الذين من قبلك ، فالتشبيه مستعمل في كلتا طريقتيه كما يستعمل المشترك في معنييه . والغرض من التشبيه إثبات التسوية ، أي ليس وحي الله إليك إلا على سنة وحيه إلى الرسل من قبلك ، فليس وحيه إلى الرسل من قبلك بأوضح من وحيه إليك . وهذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، أي ما جاء به من الوحي إن هو إلا مثل ما جاءت به الرسل السابقون ، فما إعراض قومه عنه إلا كإعراض الأمم السالفة عما جاءت به
[ ص: 27 ] رسلهم . فحصل هذا المعنى الثاني بغاية الإيجاز مع حسن موقع الاستطراد .
وإجراء وصفي ( العزيز الحكيم ) على اسم الجلالة دون غيرهما لأن لهاتين الصفتين مزيدا من اختصاص بالغرض المقصود من أن الله يصطفي من يشاء لرسالته .
فـالعزيز المتصرف بما يريد لا يصده أحد . و ( الحكيم ) يحمل كلامه معاني لا يبلغ إلى مثلها غيره ، وهذا من متممات الغرض الذي افتتحت به السورة وهو الإشارة إلى تحدي المعاندين بأن يأتوا بسورة مثل سور القرآن .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك إلى آخرها ابتدائية ، وتقديم المجرور من قوله ( كذلك ) على (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3يوحي إليك ) للاهتمام بالمشار إليه والتشويق بتنبيه الأذهان إليه ، وإذ لم يتقدم في الكلام ما يحتمل أن يكون مشارا إليه بـ ( كذلك ) علم أن المشار إليه مقدر معلوم من الفعل الذي بعد اسم الإشارة وهو المصدر المأخوذ من الفعل ، أي كذلك الإيحاء يوحي إليك الله . وهذا استعمال متبع في نظائر هذا التركيب كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة . وأحسب أنه من مبتكرات القرآن ؛ إذ لم أقف على مثله في كلام العرب قبل القرآن .
وما ذكره
الخفاجي في سورة البقرة من تنظيره بقول
زهير :
كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مستهم الضراء خيم
لا يصح ؛ لأن بيت
زهير مسبوق بما يصلح أن يكون مشارا إليه ، وقد فاتني التنبيه على ذلك فيما تقدم من الآيات فعليك بضم ما هنا إلى ما هنالك .
والجار والمجرور صفة لمفعول مطلق محذوف دل عليه ( يوحي ) أي إيحاء كذلك الإيحاء العجيب .
والعدول عن صيغة الماضي إلى صيغة المضارع في قوله ( يوحي ) للدلالة على أن إيحاءه إليه متجدد لا ينقطع في مدة حياته الشريفة لييأس المشركون من إقلاعه بخلاف قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=7وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا إذ لا غرض في إفادة معنى التجدد هناك . وأما مراعاة التجدد هنا
[ ص: 28 ] فلأن المقصود من الآية هو ما أوحي به إلى
محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وأن قوله : إلى الذين من قبلك إدماج .
ولك أن تعتبر صيغة المضارع منظورا فيها إلى متعلقي الإيحاء وهو إليك وإلى الذين من قبلك ، فتجعل المضارع لاستحضار الصورة من الإيحاء إلى الرسل حيث استبعد المشركون وقوعه فجعل كأنه مشاهد على طريقة قوله تعالى : الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38ويصنع الفلك .
وقرأ الجمهور ( يوحي ) بصيغة المضارع المبني للفاعل واسم الجلالة فاعل . وقرأه
ابن كثير ( يوحى ) بالبناء للمفعول على أن ( إليك ) نائب فاعل ، فيكون اسم الجلالة مرفوعا على الابتداء بجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه لما قال : يوحى إليك ، قيل : ومن يوحيه ، فقيل : الله العزيز الحكيم ، أي يوحيه الله على طريقة قول
ضرار بن نهشل أو
الحارث بن نهيك :
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
إذ كانت رواية البيت بالبناء للنائب .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29013_31789كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
مُوقِعُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَالْمَعْنَى : مِثْلَ هَذَا الْوَحْيِ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ : الْإِيحَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ فِعْلِ ( يُوحِي ) .
وَأَمَّا وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ فَإِدْمَاجٌ . وَالتَّشْبِيهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عَلَى أَصْلِهِ ، أَيْ مِثْلَ وَحْيِهِ إِلَيْكَ وَحْيُهُ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ، فَالتَّشْبِيهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كِلْتَا طَرِيقَتَيْهِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْمُشْتَرَكُ فِي مَعْنَيَيْهِ . وَالْغَرَضُ مِنَ التَّشْبِيهِ إِثْبَاتُ التَّسْوِيَةِ ، أَيْ لَيْسَ وَحْيُ اللَّهِ إِلَيْكَ إِلَّا عَلَى سُنَّةِ وَحْيِهِ إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ، فَلَيْسَ وَحْيُهُ إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ بِأَوْضَحَ مِنْ وَحْيِهِ إِلَيْكَ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ، أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ إِنْ هُوَ إِلَّا مِثْلُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ ، فَمَا إِعْرَاضُ قَوْمِهِ عَنْهُ إِلَّا كَإِعْرَاضِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ
[ ص: 27 ] رُسُلُهُمْ . فَحَصَلَ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي بِغَايَةِ الْإِيجَازِ مَعَ حُسْنِ مَوْقِعِ الِاسْتِطْرَادِ .
وَإِجْرَاءُ وَصْفَيِ ( الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ لِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مَزِيدًا مِنِ اخْتِصَاصٍ بِالْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ لِرِسَالَتِهِ .
فَـالْعَزِيزُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَا يُرِيدُ لَا يَصُدُّهُ أَحَدٌ . وَ ( الْحَكِيمُ ) يُحَمِّلُ كَلَامَهُ مَعَانِيَ لَا يَبْلُغُ إِلَى مِثْلِهَا غَيْرُهُ ، وَهَذَا مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْغَرَضِ الَّذِي افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى تَحَدِّي الْمُعَانِدِينَ بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ إِلَى آخِرِهَا ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مِنْ قَوْلِهِ ( كَذَلِكَ ) عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3يُوحِي إِلَيْكَ ) لِلِاهْتِمَامِ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ وَالتَّشْوِيقِ بِتَنْبِيهِ الْأَذْهَانِ إِلَيْهِ ، وَإِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْكَلَامِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ بِـ ( كَذَلِكَ ) عُلِمَ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْفِعْلِ ، أَيْ كَذَلِكَ الْإِيحَاءِ يُوحِي إِلَيْكَ اللَّهُ . وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مُتَّبَعٌ فِي نَظَائِرِ هَذَا التَّرْكِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَأَحْسَبُ أَنَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ ؛ إِذْ لَمْ أَقِفْ عَلَى مِثْلِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ .
وَمَا ذَكَرَهُ
الْخَفَاجِيُّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ تَنْظِيرِهِ بِقَوْلِ
زُهَيْرٍ :
كَذَلِكَ خَيْمُهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ إِذَا مَسَّتْهُمُ الضَّرَّاءُ خَيْمُ
لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ بَيْتَ
زُهَيْرٍ مَسْبُوقٌ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ ، وَقَدْ فَاتَنِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ فَعَلَيْكَ بِضَمِّ مَا هُنَا إِلَى مَا هُنَالِكَ .
وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ( يُوحِي ) أَيْ إِيحَاءً كَذَلِكَ الْإِيحَاءِ الْعَجِيبِ .
وَالْعُدُولُ عَنْ صِيغَةِ الْمَاضِي إِلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ ( يُوحِي ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ إِيحَاءَهُ إِلَيْهِ مُتَجَدِّدٌ لَا يَنْقَطِعُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ لِيَيْأَسَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ إِقْلَاعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=7وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا إِذْ لَا غَرَضَ فِي إِفَادَةِ مَعْنَى التَّجَدُّدِ هُنَاكَ . وَأَمَّا مُرَاعَاةُ التَّجَدُّدِ هُنَا
[ ص: 28 ] فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ هُوَ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ إِدْمَاجٌ .
وَلَكَ أَنْ تَعْتَبِرَ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ مَنْظُورًا فِيهَا إِلَى مُتَعَلِّقَيِ الْإِيحَاءِ وَهُوَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ، فَتَجْعَلَ الْمُضَارِعَ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ مِنَ الْإِيحَاءِ إِلَى الرُّسُلِ حَيْثُ اسْتَبْعَدَ الْمُشْرِكُونَ وُقُوعَهُ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى : اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( يُوحِي ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَاسْمُ الْجَلَالَةِ فَاعِلٌ . وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ( يُوحَى ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى أَنَّ ( إِلَيْكَ ) نَائِبُ فَاعِلٍ ، فَيَكُونُ اسْمُ الْجَلَالَةِ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ بِجُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : يُوحَى إِلَيْكَ ، قِيلَ : وَمَنْ يُوحِيهِ ، فَقِيلَ : اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، أَيْ يُوحِيهِ اللَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ
ضِرَارِ بْنِ نَهْشَلٍ أَوِ
الْحَارِثِ بْنِ نَهِيكٍ :
لَيُبْكَ يَزِيدُ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوَائِحُ
إِذْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْبَيْتِ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ .